الأسطورة لا تجب الأسطورة. وياسين بونو لا ينسينا في بادو الزاكي، بل يذكرنا به ويستأنف الملحمة التي سطرها.
منذ اعتزاله بداية التسعينيات، وجمهور الكرة المغربية ينظر خلفه، كلما حل موعد السؤال: من يحمي العرين ؟.
أنجب المغرب حراسا جيدين.. عزمي، الراحل البرازي، الشاذلي، المياغري… لكن لا أحد سد الفراغ وكرس الاستمرارية في موقع حيوي حاسم. ولعل غياب باقي العناصر التي يصنع تكاملها مفهوم الجيل الذهبي لم يساعد أحدهم على تصدر المشهد، وتحقيق الإجماع، وصناعة ذلك الشعور بالأمان في نفوس اللاعبين والجماهير، وهم يسلمون المقاليد لحارس يحقق السيطرة على المجال، ويصدر إحساس المنعة واليقين.
أمر نادر أن تمر ثلاثة عقود ويظل الزاكي ملهم أجيال من حراس المرمى، من شاهده في الملعب أو أمام الشاشة، ومن لم يفعل. فالصيت الذي عبر الحدود، والاستحقاق الذي ترسخ في إسبانيا، بأعتى البطولات، وأمام نجوم أقطابها، كان غامرا، تعضده تلك التسجيلات المصورة القليلة التي تخلد لبراعة حارس فارع جمع بين براعة الأداء وقوة الشخصية المؤثرة والملهمة.
يحتفي الحارس التاريخي لمصر، والإعلامي، محمد شوبير، في برنامجه الناجح، بأداء ياسين في مونديال قطر، وهو يحكي أن صديقه الحميم بادو الزاكي كان دائما مراهنا على ياسين ليكون خليفته في مرمى أسود الأطلس. ينبهه ضيفه إلى أن الرجلين متشابهان، حتى في الشكل، والوسامة.
متشابهان فعلا. يتقاسمان قوة التأثير في الخط الدفاعي، وهالة الشعور بالاطمئنان التي يشعانها في منطقة الخطر. متماثلان في الانتماء إلى الوداد، في تجربة الاحتراف الإسباني. متشابهان في ردود الفعل السريعة، في الثبات خلال اللحظات الصعبة، ومنها ضربات الجزاء، في اكتساح الكرات العالية، وإغلاق الزوايا. مختلفان نسبيا في الأسلوب. كان الزاكي أكثر تعبيرا في انفعاله وتفاعله الحركي مع زملائه، وفي ذلك خير.. بينما يقدم ياسين حالة غريبة من الهدوء، والخجل حتى… وفي ذلك خير أيضا.
المقارنة العابرة للأزمنة بين المتفوقين لا تستقيم، ولا تجدي. عاصر الزاكي مرحلة تنفر فيها الأضواء من نجوم الجنوب، وخصوصا إفريقيا، ولا تتوفر فيها عولمة الفرجة الكروية، وإن كانت إسبانيا قد كالت له ما يستحق من تقدير: تمثال في مايوركا، ولقب ثمين لأفضل حارس في الدوري، تماما كما انتزع ياسين بجدارة لقب “زامورا” الموسم الماضي، أمام عمالقة من حجم كورتوا وأوبلاك وتيرشتيغن.
ليس مطلوبا أن يحل أحد محل آخر. ياسين يكمل سبحة المجد التي تبدأ بعلال بنقسو، وتعرج على الهزاز، الراحل الذي ظل هو نفسه يقول عن الزاكي: إنه آخر الكبار… قبل أن ينبثق هذا العملاق النبيل الذي يساهم اليوم في صناعة حلقات المسلسل المغربي التاريخي بالمونديال.
ياسين يبهر على العشب، ويصدر قيما نبيلة خارجه. حين أهدى لقب أفضل لاعبي المباراة ضد البرتغال، إلى زميله الهداف النصيري، قدم الشاب الباسم أبدا نموذجا رفيعا للتعفف والإيثار والحس الجماعي. كان المغرب محظوظا بالزاكي في قصة الإنجاز الأول بالمكسيك، وتجدد الحظ الجميل مع بونو في ملحمة الصعود إلى قمة الحلم في قطر.
بعد أن تحقق إنجاز جماعي لا زال متواصلا في العرس الكروي العالمي، تبدو في الأفق جوهرة على ياسين أن يمد يده الطولى نحوها… كرة ذهبية إفريقية خامسة للمغرب… على غرار الثالثة التي حققها ملهمه بادو الزاكي.