البرازيل عام 2022: بلد منقسم بعد انتخابات رئاسية تاريخية

سيتذكر البرازيليون سنة 2022 على أنها السنة التي عاد فيها اليسار بقوة من خلال الانتخابات الرئاسية التاريخية التي أعادت الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا (حزب العمال) إلى السلطة، وخلفت بلدا منقسما كان يكابد من أجل التعافي من أزمة كوفيد التي أودت بحياة ما يقرب من 700 ألف شخص.

الرئيس المنتخب، الذي حكم هذا البلد البالغ تعداد ساكنته 215 مليون نسمة بين عامي 2003 و 2010، سيؤدي اليمين الدستورية في فاتح يناير بحضور مجموعة من رؤساء الدول والحكومات، وهي فرصة للقيادة الجديدة لإظهار أن البلاد تفتح صفحة جديدة في إدارة الدولة والشؤون الخارجية.

إن عودة النقابي السابق، الفائز بفارق ضئيل بأقل من مليوني صوت أمام الرئيس المنتهية ولايته، اليميني جاير بولسونارو (الحزب الليبرالي) ، تثير بالفعل العديد من النقاشات على المستوى الوطني حول المسارات التي ستسلكها البرازيل اعتبارا من العام المقبل على المستوى السياسي ، وكذلك من حيث المقاربات الاقتصادية.

مهمة لولا ، التي أثارت بعض الشكوك حول سجنه لمدة عام ونصف من أبريل 2018 بعد إدانته بالفساد، قبل إلغاء الإدانات من قبل المحكمة العليا – لن تكون سهلة. التحديان الرئيسيان اللذان سيواجههما الرجل البالغ من العمر 76 عام ا: إقناع نصف الناخبين الذين صوتوا لمنافسه بمشروعه والتعامل مع برلمان يهيمن عليه تيار “البولسونارية” والذي فرض نفسه بقوة.

وقد ضغط أنصار اليمين على الجيش والقضاء الانتخابي بقوة لمنع تنصيب لولا ، مدعين حدوث عمليات التزوير وأعطال في آلات التصويت الإلكترونية. وأغلق سائقو الشاحنات الطرق ، وشكك الحزب الليبرالي بزعامة بولسونارو في النتائج وقام المتظاهرون بوقفات احتجاجية أمام ثكنات الجيش مطالبين بالتدخل العسكري.

ويؤكد هذا الوضع ، وفق ا للمراقبين ، أن الانقسام والاستقطاب سيستمران وسيكونان التحدي الرئيسي لرئيس البرازيل المقبل.

وقال الخبير السياسي في العلاقات الدولية ألتير دي سوزا مايا لوكالة المغرب العربي للأنباء “لولا سيدخل فترة ولايته الثالثة الضعيفة. اعتماده المؤكد على دعم اليمين في البرلمان سيجبره على تقديم تنازلات”.

في خضم هذا الانقسام السياسي غير المسبوق ، تمكن لولا من حشد أكثر من اثني عشر حزبا من جميع المشارب حول ترشيحه ، ولاحقا حول حكومته ، وهو سيف ذو حدين لأن هذا التحالف المركب يمكن أن يؤثر على السرعة في تنفيذ المشاريع الشائكة والإصلاحات التي وعد بها زعيم اليسار.

إذا كان لولا، قد فاز في اللحظة الأخيرة، من خلال الاستفادة من الحنين إلى ولايتيه الناجحتين، لا سيما على المستويين الاجتماعي والاقتصادي ، فقد تأثر بولسونارو بإدارة الوباء على الرغم من أن الاقتصاد أظهر علامات الانتعاش هذا العام.

وستواجه البرازيل، العام المقبل، ركودا شبه مؤكد وسيتعين على لولا أن يجد حلولا ذكية لتمويل الوعود الطموحة في ما يتعلق بالمساعدة الاجتماعية ومحاربة التضخم وتراجع القوة الشرائية.

وسيتعين على القائد التقدمي في نفس الوقت تهدئة حماسة أولئك الذين لم يستوعبوا انتصاره بعد. يلاحظ فابيو ألبيرجاريا دي كيروز ، الخبير في الجغرافيا السياسية ، أن “نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2022 هي الأشد تقاربا منذ استعادة الديمقراطية في 1985 ، مع وجود فجوة بنسبة 1 بالمائة فقط بين الفائز ووصيفه” ، موضح ا أن هذه الملاحظة في حد ذاتها توضح المرحلة الحرجة التي يجب أن تمر بها البرازيل المنقسمة في المستقبل القريب.

وظل مجتمع الأعمال أيض ا حذر ا من الإجراءات التي وعد بها لولا والتي من شأنها أن تقوم بتقليل القدرة الاستثمارية في مواجهة زيادة الإنفاق الاجتماعي الحكومي ، مما قد يثبط الاستثمار الأجنبي الذي سجل في البرازيل أحد أهم الأداءات في العالم خلال العام الأخير من ولاية بولسونارو.

وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية ، فإن مشاركة الرئيس المنتخب في COP27 الذي تم تنظيمه في مصر وحيث وعد لولا بالتزام حكومته الثابت لصالح مكافحة تغير المناخ ، تم اعتباره منعطفا بعد الانتقادات التي وجهت ضد حكومة بولسونارو بسبب “التراخي” في حماية الأمازون.

في الواقع ، يمكن لتغيير السياسة البيئية من قبل البرازيل أن يؤدي إلى هدوء في العلاقات مع المجتمع الدولي وإعادة إطلاق عملية التصديق على اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي والميركوسور.

وأكد أن حماية غابات الأمازون ستكون من بين أولويات حكومته التي ستحدد لنفسها أهدافا تتمثل في عدم إزالة الغابات “.

بالنظر إلى خلفيته الأيديولوجية ومحتوى برنامجه سيستأنف لولا التعاون جنوب جنوب ، خاصة مع الحكومات اليسارية في المنطقة ، بالإضافة إلى السعي إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية مع الصين والعمل على بناء “نظام عالمي جديد مرتبط بالتعددية واحترام سيادة الدول”.

علاوة على ذلك ، ي قد م انتصار لولا دا سيلفا في البرازيل على أنه بشرى سارة لدول أمريكا اللاتينية التي تحكمها بشكل أساسي أحزاب أو تحالفات يسارية. غير أن البرازيل معروفة بالبراغماتية والتزامها بتولي وضعها كقوة عالمية ميسرة.

Total
0
Shares
أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشورات ذات الصلة