بعد أيام من إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في تونس التي شهدت عزوفا جماهيريا ملحوظا، انقسمت آراء سياسيين بين من يرى أنها بمثابة قطيعة بين السلطة والشعب وبين من يعتقد أن ما حدث مجرد رسالة إلى المسؤولين لتحسين الوضع المعيشي.
ولم يشارك بالانتخابات التي أجريت في 17 دجنبر الجاري، سوى 11.22 بالمئة من أصل 9.2 ملايين ناخب، وفق هيئة الانتخابات.
وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جراء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير الماضي.
والانتخابات التشريعية أحدث حلقة في سلسلة إجراءات استثنائية بدأ سعيد فرضها في 25 يوليوز 2021 وسبقها حل مجلسي القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في 25 يوليو 2022.
وتعتبر قوى تونسية إجراءات سعيد الاستثنائية “تكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).
أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 أعوام، فقال إن إجراءاته “ضرورية وقانونية” لإنقاذ الدولة من “انهيار شامل”.
رسالة صامتة
ورأى صلاح الدين الداودي القيادي في مبادرة “لينتصر الشعب” الموالية للرئيس قيس سعيد، أن نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات “رسالة صامتة من التونسيين وصلتنا”.
وقال الداودي ، إن “رسالة الانتخابات واضحة جدا وهي صارمة وهي أن كل المؤشرات المعيشية لعموم أبناء الشعب التونسي هي التي حسمت هذه النسبة الضعيفة من المشاركة وقد عبّر غالبية التونسيين عن رأيهم في الوضع”.
وفي 9 أكتوبر الماضي، أعلن سياسيون ونشطاء بالمجتمع المدني، إطلاق مبادرة “لينتصر الشعب” لاستكمال مسار ثورة 17 دجنبر 2010، ومساندةً لمسار 25 يوليوز 2021 الذي أعلنه الرئيس التونسي قيس سعيد.
ومن بين هؤلاء: العميد السابق للمحامين إبراهيم بودربالة، وأمين عام التيار الشعبي زهير حمدي، وعضو المكتب التنفيذي السابق للاتحاد العام التونسي للشغل محمد سعد، ورضا شهاب المكي المقرب من الرئيس سعيّد.
انتخابات ضعيفة
من جهته، اعتبر رئيس حزب “التكتل من أجل العمل والحريات” في تونس خليل الزاوية، أن الانتخابات “لا تمثل محطة سياسية إيجابية تمكن الشعب من انتخاب ممثليه لصياغة سياسة جديدة للدولة، وإنما هي ضعيفة الجدوى السياسية لأنها سجلت عزوفا كبيرا”.
وقال الزاوية، إنّ “مستوى التمثيل في مجلس النواب الجديد سيكون تتويجا لفشل مشروع قيس سعيد الذّي انطلق على أساس فكرة البناء القاعدي (من الجهات إلى المركز) وتمثيل الشعب وفق ذلك”.
وحزب “التكتل” يمثل أحد مكونات “الحملة الوطنية لمقاطعة الاستفتاء على الدستور” (جرى في 25 يوليوز الماضي)، وتتكون من 5 أحزاب، هي العمال والقطب والتيار الديمقراطي والجمهوري.
وأضاف الزاوية أن “البرلمان المقبل لن يمنح الثقة للحكومة ولن يراقبها وهو غير قادر على سحب الثقة منها، وبالتالي فهو برلمان للتصويت لفائدة مقترحات قوانين سعيد”.
ومضى يقول: “اليوم نكرر بناء الحكم الفردي من جديد سواء مع سعيد أو غيره وما نعيشه فترة تتسم بانفراد بالرأي وبالسلطة وتجميع لكل السلطات”.
العزوف لا يعني القطيعة
واعتبر الداودي، أن “العزوف عن المشاركة في الانتخابات لا يعني القطيعة أو مقاطعة مسار 25 يوليوز وإنما رسالة غضب واضحة لأن خطاب الرئيس وخطاب الحكومة لم يكن بالوضوح الكافي الذي يطمئن الناس حول حقيقة السياسيات الاقتصادية والاجتماعية”.
وأضاف: “أولوياتنا تحسين ظروف عيش التونسيين من خلال تحسين أداء الحكومة والرئاسة ومن تعبئة الفراغات الموجودة في مؤسسات الدولة بما فيها الديوان الرئاسي وتغيير جزء من الحكومة لأسباب تتعلق بالسياسات والنجاعة”.
وأردف الداودي: “الأولوية الثانية هي إنجاح الدور الثاني ورفع نسبة التصويت ونريد أكثر عدد من التونسيين يذهبون للتصويت وهذا مرتبط بتغير نسبي لوضع التونسيين”.
وشدّد على أن “موعد الانتخابات الرئاسية لابد أن يبقى في موعده سنة 2024 وليتنافس فيها من يتنافس”.
وأوضح الداودي، أنه “في المستوى السياسي المجلس موجود والنواب موجودون مهما كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية ومهما كانت النسب والقانون الانتخابي لم يقص لا الأفراد والأحزاب”.
مهمة المعارضة
وبالنسبة لمقاطعي الانتخابات التشريعية قال الداودي: “هدفهم معروف، وهو أن يكون لهم جزء من المشاركة في القرار وأخذ جزء من السلطة وهي عقلية قديمة لم تعد تصلح لشيء”، على حد تعبيره.
واعتبر الزاوية أن “توحد المعارضة لن يفشل مشروع الرئيس قيس سعيد”، مضيفا أن “مهمة المعارضة الآن هي إقناع المواطنين بأن مشروع سعيد سيء وأنها باستطاعتها أن تمثل بديلا”.
واستدرك الزاوية بالقول: “ولكن المعارضة اليوم غير قادرة على تشكيل بديل مقنع للمواطنين أفضل مما هو مطروح حاليا”.
ولفت إلى أن “استطلاعات الرأي تشير إلى أن جزءا كبيرا من التونسيين سيقومون بانتخاب قيس سعيد من جديد لو تم إجراء انتخابات رئاسية اليوم، ذلك لأنهم يعتبرون أنه أزاح مشهدا سياسيا رديئا”.
كما اعتبر رئيس حزب “التكتل”، أن “سقوط نظام ما غير مرتبط بتوحد المعارضة، وإنما هو مرتبط بوعي الشعب بأنه (النظام القائم) يجب أن يغادر وأن تكون هناك معارضة بديلة تقنع بها المعارضين”.
ولفت إلى أن “التوحد بين جبهتي المعارضة (جبهة الخلاص والأحزاب الخمسة) صعب فحركة النهضة تمثل مكونا أساسيا من جبهة الخلاص وهي لم تجر قراءة نقدية أو مراجعات لفترة حكمها، ونعتبر أنها جزء من الأزمة التي تعيشها البلاد”.
وجبهة الخلاص أُعلن عنها في 31 ماي الماضي، وتضم خمسة أحزاب هي “النهضة” و”قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة” و”حراك تونس الإرادة” و”الأمل”، إضافة إلى حملة “مواطنون ضد الانقلاب”، وعدد من البرلمانيين.
وفي سؤال عن المآخذ التي قد تسجل اليوم ضد المعارضة أكد الزاوية “عدم وجود رؤية نقدية لثلاثي أدار العملية السياسية في البرلمان منذ سنة 2019 وهي أحزاب النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس”.
خطة للخروج من الأزمة
وكشف الزاوية، أن “الخماسي بصدد تحضير خطة سيعرضها على المواطنين بعد الانتخابات للخروج من الأزمة”.
وأشار إلى أن أهم “مقترحات خطتهم هي الدفاع عن المشروع الديمقراطي وصياغة دستور ديمقراطي وإجراء انتخابات شفافة وتناوبٌ على السلطة وحكومة انقاذ وطني لها برنامج لإنقاذ الاقتصاد يصاغ بطريقة تشاركية مع منظمات اجتماعية وأحزاب سياسية”.
وشدد الزاوية على أنه “من الأفضل أن يجرى حوار وطني دون إقصاء لأي طرف واتفاق على خارطة طريق للخروج من الأزمة السياسية”.
الأزمة الاقتصادية
وبخصوص الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد أكّد الداودي، أن “الاقتصاد التونسي يشهد عثرات”.
وقال: “مع الظروف الإقليمية والدولية تفاقم ارتفاع أسعار الطاقة وندرة المواد الغذائية ومشكلة الأدوية والإمدادات وكلفة النقل والتوريد وارتفع العجز التجاري والقروض”.
وأضاف الداودي “الكل يريد إصلاح السياسات الحكومية وبالتالي إصلاح جزء من الفريق الحكومي”، مشددا على أن “التغيير الحكومي ضروري بما في ذلك رئيسة الحكومة (في إشارة إلى نجلاء بدون)”.
وأردف: “يجب أن لا تكون الحكومة سياسية بل أن تكون حكومة بوعي واضح ومفتوح بالرهانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
وتابع الداودي: “في المستقبل نريد أن تكون العلاقة بين الرئاسة والحكومة في شكل حكومة مصغرة بجانبه (الرئيس) في قصر قرطاج، وأن يكون هناك متحدث باسم الرئاسة، وأن يكون هناك ديوان رئاسي ينظم العلاقة مع المجتمع السياسي والمدني والمنظمات”.
ورأى الداودي أنه يجب أن “يكون على رأس الحكومة مع تقديري لرئيسة الحكومة شخص له أدوار أكبر من الناحية الاتصالية وله قدرة خلق نوع من الأريحية بين الدواوين والإدارات والوزرات”.
وأضاف “يجب أن تكون الحكومة قادرة أكثر على احتواء المطبات والصعوبات التي يمكن أن تقع في المستقبل لأن الحكومة يجب أن تقنع بقانون المالية وبالإصلاحات وبالمخطط التنموي الخماسي”.
سياسة تقشف
من جهته أيضا اعتبر الزاوية أن “حكومة بودن هي حكومة قيس سعيد وهي ضعيفة سياسية ومبنية على هدف واحد هو سياسة التقشف الذي يقف أمام عجلة الاقتصاد الذي يتطلب ضخ أموال ومشاريع واستثمارات”.
وزاد أن “الحكومة تتجه نحو التخلي على الدعم بطريقة عشوائية سواء على المحروقات أو على الأغذية وهو ما سيمس فئات شعبية كبيرة ويخلق أزمة في البلاد ستكون منعرجا خطيرا في تونس”.
وشدد الزاوية على أن “السياسات الحالية لحكومة بودن لن تمكن البلاد من الخروج من أزمتها”.
وفيما يتعلق بالمخاوف من التراجع عن الديمقراطية في تونس أكد الزاوية، أن “العودة إلى الوراء تقع بطريقة تدرجية إلى أن يتم التطبيع مع التصحر السياسي في تونس”.
وأضاف: “الخوف ليس على الديمقراطية فقط، وإنما على الحريات سيما مع ما نشهده من منع سفر دون موجب لكل الفئات سواء سياسيين أو صحافيين أو رجال أعمال”.