عينت الصين مؤخرا سفيرها السابق في واشنطن تشين جانج، في منصب وزير الخارجية، وهي خطوة فسرتها الأوساط السياسية والدبلوماسية على أنها دليل على ارادة بكين في بعث الدفء في علاقاتها مع منافسها الغربي.
وخبر تشين (56 سنة) صاحب المسار الدبلوماسي الطويل خبايا الدبلوماسية الصينية قبل أن يتوجه لتدبير التمثيل الدبلوماسي الصيني في واشنطن سنة 2021.
وكان يتعين على تشين الذي عوض الدبلوماسي المتمرس وانج يي، في العاصمة الأمريكية، تدبير العلاقات الصينية الأمريكية بمختلف ملفاتها الشائكة والساخنة، بما في ذلك قضية تايوان، والحرب التجارية بين العملاقين، وتنافسهما من أجل النفوذ في منطقة شرق آسيا الإستراتيجية.
وكانت سنة 2022 على الخصوص مضطربة بين القوتين الاقتصاديتين، اللتين انخرطتا في تنافس كان في بعض الأحيان على وشك المواجهة المباشرة، قبل استئناف جدي للاتصالات في نهاية العام.
وجرى أول اتصال يوم الأحد الماضي بين رئيس الدبلوماسية الصينية الجديد ووزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين.
ورغم أن وزارة الخارجية الصينية اكتفت ببيان مقتضب عن المحادثات، لكن المحللين يرون أنها بداية جديدة في سنة 2023 المحورية، في ظل عالم يتسم بعدم اليقين.
وفي البيان، الذي نشرته على موقعها الالكتروني، أشارت وزارة الشؤون الخارجية الصينية إلى أن المناقشات التي جرت في نهاية مهمة تشين إلى واشنطن، كانت مناسبة لهذا الأخير للتذكير بالتبادلات “العميقة” و “البناءة”، التي جرت مع وزير الخارجية، خلال فترة ولايته في العاصمة الأمريكية.
وأعرب عن أمله في الحفاظ على هذه العلاقة التعاونية مع السيد بلينكين لبناء علاقات أفضل بين بكين وواشنطن.
وفي العاصمة الصينية، يرى المحللون أن تعيين تشين يشكل فرصة لاستعادة الثقة بين البلدين، لكن المهمة لن تكون سهلة، وذلك بالنظر للعديد من القضايا المطروحة على الطاولة، من قضية تايوان، إلى النزاع في أوكرانيا، مرورا بحرب الرقائق، ومجموعة واسعة من القضايا التي تتجاوز الإطار الثنائي لتؤثر على الوضع الجيوسياسي والاقتصادي في جميع أنحاء العالم.
وذكرت وسائل الإعلام نقلا عن محللين صينيين أن أولوية بكين وواشنطن سنة 2023 هي تجنب تصعيد التوتر في العلاقات مع تدبير الخلافات حول قضية تايوان بطريقة ذكية.
وفي هذا الاطار قالت المديرة السابقة للمعهد الصيني للدراسات الاقتصادية الدولية تشن فنغ يينغ إن “تفاعل رئيسي الدبلوماسية في البلدين في بداية العام أمر جيد”، مضيفة أنه “لا ينبغي إضاعة مثل هذه الفرصة”.
ويشير المحللون إلى أن الارادة في المضي إلى الأمام موجودة لدى الجانبين، كما يتضح من عدد الاتصالات رفيعة المستوى التي تم إجراؤها بين البلدين منذ الاجتماع الذي عقد في نونبر الماضي في بالي بأندونيسيا، بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، على هامش قمة مجموعة العشرين.
وتطرق وانغ يي، الذي غادر وزارة الخارجية من أجل إدارة مكتب اللجنة المركزية للشؤون الخارجية بالحزب الشيوعي، وهو أرفع منصب دبلوماسي في الصين، لرؤية الصين بشأن مستقبل العلاقات مع واشنطن.
وكتب وانغ في مقال صدر في العدد الأول لسنة 2023 من مجلة اللجنة “كيوشي” أنه “يتعين على البلدين أن يتفهما جيدا السياسات الداخلية والخارجية، فضلا عن النوايا الاستراتيجية لبعضهما “.
وأبرز وانغ، وهو أيضا كبير المستشارين الدبلوماسيين، أن الصين ستناقش مع الولايات المتحدة المبادئ التوجيهية للعلاقات المتبادلة، وستدخل في تعديلات اضافية لضمان سير العلاقات على المسار الصحيح.
ولا شك في أن هذه الأسئلة ستكون حاضرة في جدول أعمال الزيارة المنتظرة التي سيقوم بها وزير الخارجية الأمريكي للصين قريبا.
ويبدو أنه لم يتم ترك أي شيء للصدفة لإعطاء فرص النجاح لمحادثات السيد بلينكين مع المسؤولين الصينيين.
وقام مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى بزيارة بكين في نونبر الماضي لوضع اللمسات الأخيرة على جدول أعمال زيارة كبير الدبلوماسيين الأمريكيين للصين.
ودرس مساعد وزير الخارجية لشؤون آسيا والمحيط الهادئ دانييل كريتنبرينك، والمديرة الرئيسية لشؤون الصين في مجلس الأمن القومي لورا روزنبرغر، خلال زيارة استمرت أربعة أيام لبكين سبل “الاستمرار في تدبير المنافسة بشكل مسؤول بين البلدين واستكشاف المجالات المحتملة للتعاون “.
ويعتبر المحللون أن الصين تولي أهمية كبيرة لتحسين العلاقات مع واشنطن لعدد من الأسباب، مشيرين إلى أن الاهتمام بتهيئة الظروف لإنعاش الاقتصاد الصيني، الذي لا يزال يعاني من تأثير وباء كوفيد -19 يوجد في صلب الأهداف التي ستسعى بكين لتحقيقها من خلال بعث الدفء في العلاقات مع أول قوة اقتصادية في العالم.
ويشدد المسؤولون الصينيون في خرجاتهم المختلفة حول مخططات الإنعاش الاقتصادي على عودة الشركات والاستثمارات الأجنبية، لاسيما الأمريكية، لإعادة اقتصاد القوة العالمية الثانية لمسار ما قبل الوباء.
ويعتبر المحللون السياسيون أن الطريق نحو علاقات أفضل بين بكين وواشنطن سيكون مليئا بالعقبات، مشيرين على الخصوص للضغوط التي سيواجهها الرئيس الأمريكي حول هذا الملف.