حرية المعتقد: عندما يتفق رجل الدين والعلماني

كان تقاربا ولو من علٍ، هكذا جلس علماني ورجل دين جنبا إلى جنب ليتناقشوا موضوعا حول حرية المعتقد في المغرب اليوم، واصطف كل من أحمد عصيد قرب رجل الدين بدر مفتاحي، ليدلي كل منهما برأيه في حرية المعتقد والضمير.

كمن يريد الإمساك بالماء بقبضته هكذا يرى العلماني في الخائف من سن أو دسترة حرية المعتقد والضمير، أما رجل الدين الوحيد الحاضر في اللقاء، فيرى بدوره منع حرية المعتقد ضرب للإيمان في الصميم، كانت هاته أبرز خلاصات ندوة نظمتها جمعية “بيت الحكمة”، أمس الأربعاء، بالدارالبيضاء، حضرها أساتذة جامعيون من تونس وفعاليات مدنية.

يرى الباحث أحمد عصيد أن السياق الحالي لدول شمال إفريقيا يبرز ملحاحية طرح مسألة حرية المعتقد، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، لأن هناك تزايدا للعنف الرمزي، والمادي، والطائفي، مما يهدد دولا بالزوال.
ويقول عصيد إن المجتمع المغربي القديم شهد حرية المعتقد، وأن المثل الأمازيغي الأصل، الذي يقول “كل شاة تعلق من كراعها”، خير دليل، ويضيف “عندما تكون العائلة مجتمعة، وينادى إلى الصلاة، فإن البعض يتوجه إلى المسجد، والبعض الآخر يبقى في مكانه، وعند عودة المصلين، لا أحد منهم يسأل لماذا امتنع الآخرون عن الصلاة، ليلتئم الجمع من جديد”.

يقول عصيد “اليوم نحن في حاجة إلى حرية الضمير، والمعتقد، لأنه ضمانة أساسية، حتى لا يكون الدين مجالا للمزايدات السياسية، الاختيار الحر للفرد هو أساس الديمقراطية، والمواطنة هي حق الفرد في الاختيار بحرية”.
وبالنسبة للباحث أحمد عصيد فإن النموذج الإخواني المصري، والوهابي السعودي، هما وراء خلق فتنة لدى الأسر المغربية.
ويقول “مشكلتنا ليست مع الدين، ولكن مع أنماط التدين، التدين المغربي السمح، والمعتدل، يتلائم مع التوجهات الديمقراطية”.

ويوضح عصيد أن المحافظين لا يريدون هذه القيم، في حين أن الديمقراطية ستحميهم يوم يصبحون أقلية، وأعطى مثالا بمسلمي الهند، الذين يلجؤون إلى العلمانية لحماية أنفسهم.
ويتابع “الديمقراطية ليست فقط صناديق الاقتراع، وهذا خطأ المحافظين، إن جوهر الديمقراطية هي قيم احترام الآخر وفصل السلط واحترام حرية الفرد، وهي القيم التي يرفضها المحافظون”.

ويسترسل عصيد في مداخلته ليعتبر أن الأنظمة القهرية استعملت الدين لأنها كانت تفتقد إلى الشرعية الديمقراطية، في حين أن الصائب هو أن تخرجنا المواطنة من الجماعة الدينية لتدخلنا في المجتمع. وبأن العنف الدموي لم يتوقف في أوروبا في القرون الثلاثة الماضية، عندما اقتتل البروتستانت والكاثوليك، إلا بإقرار أن الدين يوجد خارج التعاقد السياسي حول الحكم.
ويخلص عصيد إلى أن حرية المعتقد هي أساس الاستقرار السياسي، كما جرى في لبنان الذي عانى من الحروب الدينية والطائفية، لتعترف فيما بعد بحرية المعتقد في دستورها بعد الاستقرار، وأن “حرية المعتقد هي من تعطي قوة الإيمان”.

أما بالنسبة للباحث في الشؤون الإسلامية، بدر مفتاحي، الذي كان رجل الدين الوحيد في ندوة “بيت الحكمة”، فإنه تحدث بشكل “تقدمي” فاجأ الحاضرين، وقال إن بعض علماء العقيدة، يرون أن حرية المعتقد ضرورة قوية للإيمان، وأن من يرث دينا معينا عليه عندما يصل إلى مرحلة البلوغ، أن يبدأ في طرح أسئلة وجودية، ليصل إلى الحقيقة، دون أن يكون متدينا بالوراثة.
ويعتبر مفتاحي أن حرية المعتقد هي دين قائم بذاته، وأن ما يقع اليوم من اضطهاد للأقليات الدينية في العالم العربي، سببه الأساس هو تولي المتشددين زمام الامور لدى جميع الطوائف”.

أما عبداللطيف حناشي الاستاذ الجامعي التونسي، فيرى أن حرية المعتقد راسخة في أقدم دستور يعود كما قال إلى 3 آلاف سنة، وهو دستور قرطاج، حيث برزت أول فكرة دستورية تعتبر الإيمان مسألة فردية ولا دخل لأي أحد فيها.
وأعطى حناشي أمثلة لدول مسلمة لكنها تتبنى علمانية دستورية كتركيا وأندونيسيا، التي تضمن في دستورها الحق في حرية الفكر والضمير واعتناق اي ديانة.
وأوضح أن هناك صنفا ثانيا من البلدان التي ينص دستورها على إسلامية الدولة، لكنه في الوقت ذاته يضمن حرية المعتقد، وهي دول مثل الجزائر والعراق.

Total
0
Shares
أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشورات ذات الصلة