خبير يقدم أسباب التغيرات المناخية وظهور موجات الحر بالمغرب

قال سعيد قروق، أستاذ علم المناخ، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك في الدار البيضاء، إن ما عشناه بحر هذا الأسبوع، وفي الآونة الأخيرة، من ارتفاع في درجات الحرارة، هي إحدى تمظهرات الظواهر الجوية المرتبطة بالأقاليم الجافة.

موجات الحرارة

وأوضح قروق، في اتصال هاتفي مع موقع “إحاطة.ما” إن “المغرب، في حدوده الجنوبية والشرقية محاط بالصحراء الأفريقية الكبرى، وبالتالي فإن جميع الظواهر المرتبطة بها، يمكن ان تصل إليه، وذلك إذا ما امتزجت مع ما لديه من معطيات محلية، يمكن أن تعطي ظواهر أخرى مركبة”.

وأضاف الباحث في علم المناخ، وبالتالي إن “الحرارة المرتفعة في مناطق الصحراء الأفريقية الكبرى، مناطق تبعثر الرمال، بحيث أن الحرارة تجعل من حبات الرمال المتعددة الموجودة في الصحراء، مصدرا للغبار، الدورة الهوائية بكاملها، والمناخ بصفة عامة، وهي تدخل ضمن المركبات الطبيعية العادية للمناخ، وبناء عليه إن هاته الظواهر الصحراوية تكون دائما موجودة في الصحراء، والتي ينتج عنها ظواهر محلية صحراوية، والتي يمكن أن تخرج عن نطقاتها الصحراوية، وهذا شيئ مألوف بالمناسبة، لأن رمال الصحراء تصل إلى أوروبا بفعل الرياح، وحتى لجزر الكراييب، وولاية فلوريدا الأمريكية، حيث تعمل على رفع التساقطات المطرية في هذه المناطق، وهذا موضوع آخر”.

وواصل: “وبما أن عشنا موجات حراراة متكررة هاته السنة، وبطريقة مبكرة على المعتاد، بحيث أن كل هذا ابتدأ منذ شهر ماي الماضي، فإن لدينا تراكما للحرارة في هاته المناطق، إذا صادفت أن تحركت الكتل الهوائية، لسبب أو لآخر، كظاهرة الشركي مثلا، والتي هي عبارة رياح تخرج من الأقاليم الصحراوية، وتتجه نحو الأقاليم الشمالية”.

وزاد قروق: “الآن وقد عشنا، موجة الحرارة الأخيرة، فإن المعطيات الطبوغرافية المحلية المغربية بمنطقة سوس على وجه الخصوص، بحيث توجد عند قدم الأطلس الصغير، وتمثل إذن نوعا من الحاجز المحلي لتلك الرياح الشرقية القادمة من الشرق ومن الجنوب الشرقي، وتتبع هذا الحاجر الذي يبقى صغيرا في مقارنته مع الأطلس الكبير، وبالتالي الحرارة المحلية إضافة إلى الكتل الهوائية، الحرارة القادمة من الصحراء، وصلت إلى حدود مدينة أكادير الساحلية، وهنا مفهوم الساحل أصبح ثانويا، لأن الرياح تأتي من الشرق وليس من الغرب، يكون أثر الساحل مهما حينما تكون حركات الكتل الهوائية إما مستقرة أو قادمة من الغرب، بالتالي تلطف الأجواء برطوبتها، أما إذا قادمة من الشرق، فهذا يعطي للبحر دورا ثانويا، لأن أثر البحر يتجه داخله، وليس منه إلى داخل القارة، وهذا يحصل في جميع المناطق الساحلية، التي تعيش نفس الأوضاع”.

حرارة قياسية بالمغرب

واسترسل قروق: “تجاوز الحرارة في المغرب لمعدل 50 درجة مئوية، بعدما سجلت درجة قياسية تاريخية مطلقة على الصعيد الوطني، هذا أمر لم نتوقعه، بحيث المؤشرات تقول أنه لا يمكن في المغرب أن تبلغ درجات الحرارة هذا المستوى”.

وتابع: “أما الأسباب العميقة المتعلقة بارتفاعات درجات الحرارة، يعود أساسا للمتغيرات الطبيعية المختلفة، إضافة إلى التراكمات البشرية، جعلت من أن الحرارة في القسم الشمالي من الكرة الأرضية، تعرف هذه السنة وضعية خاصة، ليس فقط في المغرب، وإنما في مناطق متعددة من العالم، وهذا ما ساهم في اندلاع الحرائق بحوض البحر الأبيض المتوسط بالمناسبة، وكذلك في مناطق مختلفة أخرى، ويبقى النموذج الكندي مثال حي في هذا الاتجاه، لأن حرائق الغابات لا يكمن أن تتطور خارج نطاق يتميز بالحرارة”.

وواصل: “هذه الأسباب يمكن أن نلخصها، في أن الوسط البحري، يعد من أكبر الخزانات للطاقة الشمسية والحرارية فوق سطح الكرة الأرضية، يجب أن أذكر بأن المحيطات، لديها حدود، توجد لديها بعض الفترات التي يمكن أن تعرف طفرة، وربما هذا ما نعيشه خلال هذه السنة، بحيث لاحظنا أن مياه المحيطات لاسيما، مياه المحيط الأطلسي، قد ارتفعت بطريقة غير مألوفة، وليس على السطح فقط، وإنما على أعماق مهمة تجاوزت الـ100 متر، في المناطق البيمدارية، وهذا أمر مهم جدا في الدراسات المناخية، يجب أن أؤكد عليه، لأن هذه الحرارة ستسلم للغلاف الجوي، وستوزع عبر الدورة الهوائية المختلفة، وقسم منها يحصل إلى المغرب بالمناسبة”.

وأضاف: “في المحيط الهادي لدينا نفس الأمر، فضلا عن ظاهرة تحصل بطريقة دورية، وهي ظاهرة النينيو، النينيو الآن يتطور ويستقر، وأثره يكون مباشرا وغير مباشر، المباشر هو الإستجابة إلى في نفس الوقت للحرارة المحيطية المسلمة للغلاف الجوي، وهذا له أثر على الحرارة الموجودة في القسم الشمالي من الكرة الأرضية على وجه الخصوص، وغير مباشر متأخر، ينضاف إلى كل ما سلف”.

وزاد: “بالإضافة إلى الآثار البشرية، علاقة الإنسان مع وسطه، حيث المناطق التي تهمنا المغرب جنوب المغرب على وجه الخصوص، فإننا نعمل على عدم استقرار التربة لاسيما في المناطق والتجمعات البشرية الهشة، الضعيفة الفقيرة، التي تضغط كثيرا على الأراضي وبالتالي تعمل على تفسخ التربة وعلى تفكيكها، ومع الحرارة تصبح التربة عبارة عن مصدر للغبار، هذا المعطى ينضاف إلى الرمال الصحراوية التي قدمت من الصحراء، وجعلت من أكادير ومن مراكش ومن مناطق متعددة من المملكة، أجوائها مملوءة بالغبار وتحجب الرؤية”.

وخلص قروق محذرا: “كما تؤثر هذه الأجوائ المملوءة بالغبار على صحة الإنسان، والحيوان، والنبات في نفس الوقت، لاسيما الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والتنس، وأمراض العيون كذلك، وهذا ما يتطلب الانتباه”.

يذكر أن المديرية العامة للأرصاد الجوية أفادت، السبت، بأن الحالة الجوية العامة خلال الأسبوع، تميزت بموجة حر شديدة همت معظم أرجاء المملكة مع تسجيل دراجات حرارة قصوى مطلقة.

وأوضحت المديرية في بلاغ لها أن هذا الجو الشديد الحرارة والمعروف بظاهرة “الشركي”، يعزى الى صعود كتل هوائية حارة وجافة قادمة من الصحراء الكبرى نحو المغرب مما تسبب في ارتفاع شديد في درجات الحرارة، حيت تجاوز المعدل الشهري بـ5 إلى غاية 13 درجة، خاصة يومي الجمعة 11 والسبت 12 غشت الجاري واللذان يعتبران اليومين الأكثر حرا حيت سجلت فيهما درجات حرارة قياسية تجاوزت الحرارة القصوى الشهرية بجنوب ووسط البلاد.

وأضاف المصدر ذاته أن رياح “الشركي” هذه جلبت معها هواء صحراويا حارا وجافا قادما من الصحراء الكبرى نحو المملكة، وعند تجاوزه لسلسلة جبال الأطلس الكبير والصغير، ازدادت درجات حرارته بفعل ما يعرف بـ”تأثير-فون”.

وسجل أن هذه الموجة الحرارية الشديدة ساهمت في حدوث عواصف رعدية مصحوبة بعواصف غبارية في مناطق الأطلس الكبير والمناطق المجاورة مثل مراكش وأكادير، مشيرا إلى أنه تم تسجيل درجات حرارة قصوى مطلقة جديدة على الصعيدين الوطني والمحلي يوم الجمعة.

وأبرز البلاغ أنه تم تسجيل رقم قياسي وطني مطلق جديد لدرجات الحرارة وصل إلى 50.4 درجة مئوية بمحطة بأكادير إنزكان في تمام الساعة 1:33 ظهرا، لافتا إلى أن الرقم القياسي المطلق القديم كان هو 49.9 درجة سجل بالسمارة في 13 يوليوز الماضي.

وأشار إلى أنه “لأول مرة في المغرب تتجاوز درجة الحرارة المسجلة عتبة 50 درجة مئوية”.

وفي نفس اليوم، يضيف البلاغ، “سجلت درجة حرارة قصوى قدرها 50.2 درجة مئوية في أكادير أيت ملول، تعتبر رقما قياسيا جديدا تجاوز درجة الحرارة السابقة المسجلة في يوليوز 2020 والتي كانت 49.5 درجة مئوية”.

كما تم تسجيل، حسب المصدر ذاته، رقم قياسي مطلق جديد بطانطان بلغ 48.2 درجة بدلا من الرقم السابق البالغ 47.6 درجة المسجل في شهر غشت 2017، ورقم قياسي شهري جديد بتزنيت بلغ 48.3 درجة بدلا من 47 درجة مئوية التي تم تسجيلها بشهر غشت 2010.

وأضاف أنه تم، أيضا، معادلة أعلى درجة حرارة مسجلة في تارودانت والتي بلغت 48.3 درجة مئوية، والاقتراب من الحرارة القصوى المطلقة المسجلة بكلميم (47.4 درجة مئوية).

وأوضح أن هذه الموجة الحرارية “تندرج ضمن صيف حار بشكل خاص، لاسيما، في يوليوز 2023 والذي يعتبر من أشد الأشهر حرارة على المستوى العالمي حيت أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن يوليوز الفارط شهد أشد فترة ثلاثة أسابيع حرارة على الإطلاق والأيام الثلاثة الأكثر سخونة المسجلة على الصعيد العالمي”، مشيرا إلى أنه بالنسبة للمغرب فقد احتل شهر يوليوز الرتبة الرابعة بين أشهر يوليوز الأكثر حرارة منذ 1961.

وأفاد البلاغ بأنه من المرتقب أن يستمر الطقس الحار خلال الأسبوع المقبل، بوسط وجنوب وجنوب شرق المملكة يوم الأربعاء، في حين ستعرف درجات الحرارة انخفاضا بالشمال ابتداء من يومي الاثنين والثلاثاء.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة