جنوب إفريقيا.. خلاف محتدم بين الطبقة السياسية والمنظمات غير الحكومية حول حريق جوهانسبورغ

في الوقت الذي ترتفع فيه حصيلة ضحايا الحريق المهول ،الذي التهم، صباح يوم الخميس، مبنى في الحي المركزي للأعمال بجوهانسبورغ، يحتدم الخلاف بين الطبقة السياسية والمنظمات غير الحكومية حول الأسباب العميقة لهذه الفاجعة التي ألمت بالبلاد.

وإلى حدود اللحظة، لقي ما لايقل عن 73 شخصا من بينهم 7 أطفال مصرعهم في هذا الحريق، وهي حصيلة قابلة للارتفاع. وبحسب شهود عيان فإن حوالي 200 شخص كانوا يسكنون هذا المبنى، قفز بعضهم من النوافذ هربا من لهيب الحريق.

ويعتبر هذا الحريق المميت، الذي اندلع في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس بمبنى بالعاصمة الاقتصادية لجنوب إفريقيا، أحد الحرائق الأكثر فتكا التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة.

وكان المشهد مريعا في عين المكان، حيث تظهر علامات القلق على وجوه السكان الذين يبحثون عن جيرانهم وأصدقائهم بين الضحايا. وفي الوقت الذي اكتظ الزقاق المجانب للمبنى القديم الذي أكلته النيران بالأجساد المحترقة، ورد أن مخارج الطوارئ قد أغلقت، مما أدى إلى محاصرة الناس بالداخل.

ولم تتضح الأسباب الرئيسية لنشوب الحريق بهذا المبنى، المتواجد بمنطقة مهمشة حيث كان سابقا حي الأعمال للمركز الاقتصادي لجنوب إفريقيا، غير أن بعض السكان يظنون أن الشموع المستعملة للإضاءة بداخل هذا المبنى كانت وراء اندلاع الحريق، مستنكرين في الآن ذاته الانقطاعات الكهربائية المتكررة التي تفرضها الشركة العمومية للكهرباء “إيسكوم”، غير القادرة على إنتاج الكهرباء بشكل يكفي حاجيات المواطنين والمقاولات.

وتعكس هذه المأساة الحكامة السيئة في جوهانسبورغ، التي ترجع أساسا لمجموعة من العوامل أبرزها فشل سياسة التحالفات بين الأحزاب السياسية، وتفشي الفساد والجريمة.

وفي ردود الفعل التي تناسلت عقب هذه الكارثة، اتهمت المنظمة المجتمعية “Inner City Federation” سلطات مدينة جوهانسبرج بالفشل في الاعتناء بالمباني التي ظلت غير نشطة. وقال عضو المنظمة، ماهلانجو سيا، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء “وصلت البناية إلى هذا الوضع لأن مجلس مدينة جوهانسبرغ لم يكن يعتني بالبناية على الرغم من أنها تدخل ضمن اختصاصاته”.

وفي هذا الصدد دعا ماهلانجو سيا عمدة جوهانسبرغ إلى التحرك “ضد أولئك الذين استولوا على المباني في وسط المدينة وأغرقوها في الفقر وحولوها إلى بؤر للجريمة”.

ووسط هذا السخط العارم، أكدت جمعية أصحاب ومسيري العقارات في جوهانسبرغ أن المشكلة تفاقمت في السنوات الأخيرة إلى درجة أن أعضاءها يطلبون كل أسبوع استشارات حول كيفية حماية المستأجرين والشركات.

وقالت المديرة العامة للجمعية أنجيلا ريفرز “إنه يوم حزين حقا لمدينة جوهانسبرغ”.

من جانبه، وجه زعيم حزب ActionSA، هيرمان ماشابا، انتقادات شديدة لادعة للسلطات، مشيرا إلى أن جهوده السابقة لمعالجة مشكلة المباني المستولى عليها في منطقة الأعمال المركزية بجوهانسبرغ قوبلت بالعداء، مما أدى إلى مأساة جديدة.

وأوضح أنه عندما كان لا يزال عمدة للمدينة، حاول تسليم المباني للقطاع الخاص لإعادة تهيئتها، لكنه لم ينجح بسبب هجمات بعض السياسيين في البلاد الذين استفادوا من هذه المباني.

وقال ماشابا إن ما حدث بعد نهاية نظام الميز العنصري في عام 1994 كان بمثابة انهيار لسيادة القانون، مشيرا إلى أن “بعض المسؤولين في حكومتنا هم جزء من عصابة هذا الاستيلاء”.

ولا توافق الحكومة الوطنية على ذلك، معتبرة أن هذه المأساة الجديدة لم تكن نتيجة لمشكلة السكن في البلاد فقط، بل هي مسألة الاستيلاء على المباني. وأعلنت الوزيرة، خومبودزو نتشافيني، أن الأمر لا يتعلق بمشكلة سكن، لأن غالبية المقيمين في المباني المستولى عليها ليسوا من جنوب إفريقيا، ولا تستطيع الحكومة توفير السكن للمهاجرين غير الشرعيين”، داعية إلى استراتيجية وطنية حول كيفية تدبير هذا النوع من المباني.

وفضلا على تفشي الجريمة بها، شهدت جوهانسبوغ العديد من الأحداث المأساوية في غضون بضعة أسابيع، ففي يوليوز الماضي، هز انفجاران عنيفان المدينة، الأول تحت الأرض والثاني في منشأة لتخزين المواد الكيميائية، مما ترك سكان المدينة التي كانت قبل بضع سنوات فقط المركز المالي لجنوب إفريقيا أو إفريقيا بأكملها، في حيرة من أمرهم أمام الأمر الواقع.

والواقع أن ما تعيشه جوهانسبوغ من مأساة اجتماعية متواصلة هو نتاج للإهمال الحكومي، والفشل في تقديم الخدمات، والتدهور الحضري.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة