أ.ف.ب
توصلت الدول المجتمعة في قمة المناخ 28 المنعقدة في دبي بالإمارات، خلال الجلسة العامة الختامية الأربعاء، إلى اتفاق تاريخي بشأن التوجه نحو التخلي بشكل تدريجي عن استغلال الوقود الأحفوري.
وتم إقرار “اتفاق الإمارات” بالتوافق ومن دون أي اعتراض من بين نحو 200 دولة كانت حاضرة في الجلسة الختامية للمؤتمر.
في السياق، قال رئيس مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ الإماراتي سلطان الجابر، إن الاتفاق “تاريخي لتسريع العمل المناخي”. مضيفا: “لدينا صيغة بشأن الوقود الأحفوري في الاتفاق النهائي للمرة الأولى”.
وأعلن الجابر الأربعاء في كلمته أمام المؤتمر عن “تعبئة أكثر من 85 مليار دولار من الالتزامات المالية الجديدة”. وقال أيضا: “أطلقنا ALTERRA (ألتيرا) أكبر صندوق للاستثمار الخاص في العالم يركز بنسبة 100 بالمئة على حلول تغير المناخ”.
وتحصي الإمارات في تقريرها حول حصيلة مؤتمر الأطراف كوب28، مجموعة من التعهدات يمكن ذكرها كما يلي:
-تعهد كوب28 بزيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة عالميا، الدول الداعمة: 130.
-إعلان كوب28 الإمارات بشأن النظم الغذائية والزراعة المستدامة والعمل المناخي، الدول الداعمة: 150.
-إعلان كوب28 الإمارات بشأن الصحة والمناخ، الدول الداعمة: 135.
-إعلان كوب28 الإمارات بشأن التمويل المناخي، الدول الداعمة: 13.
-إعلان كوب28 الإمارات بشأن التبريد، الدول الداعمة: 66.
-إعلان كوب28 الإمارات بشأن المناخ والإغاثة والتعافي والسلام، الدول الداعمة: 76.
-تعهد “تحالف الشراكات المتعددة المستويات عالية الطموح”، الدول الداعمة: 65.
-إعلان كوب28 الإمارات بشأن مراعاة المساواة بين الجنسين في التحولات الداعمة للعمل المناخي، الدول الداعمة: 76.
-ميثاق كوب28 لخفض انبعاثات قطاع النفط والغاز، الدول الداعمة: 52.
-إعلان كوب28 بشأن الهيدروجين منخفض الانبعاثات ومشتقاته، الدول الداعمة: 37.
وفي “اتفاق الإمارات” الذي جاء في 21 صفحة، تدعو الفقرة 28 من أصل 196 إلى “التحول في اتجاه التخلي عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، عبر تسريع العمل في هذا العقد الحاسم، من أجل تحقيق الحياد الكربوني في عام 2050 وفقا لما يوصي به العلم”. وبالتالي، يتعلق التحول هنا بقطاع الطاقة، وليس بقطاعات أخرى مثل البتروكيماويات.
كما أن اللافت في مسودة الاتفاق التي كشفت عنها الرئاسة الإماراتية الأربعاء، بعد نقاشات استمرت طوال الليل، كونها تطرقت لأول مرة في تاريخ سلسلة مؤتمرات المناخ التي تعقدها الأمم المتحدة، إلى كافة أنواع الوقود الأحفوري المسؤولة إلى حد كبير عن ظاهرة التغير المناخي.
نحو نهاية “عصر الوقود الأحفوري”؟
وأكد النص الذي تفاوض المندوبون الإماراتيون على كل كلمة فيه، على “التحول من استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، من خلال تسريع العمل في هذا العقد الحاسم من أجل تحقيق الحياد الكربوني في عام 2050 تماشيا مع ما يوصي به العلم”.
تعقيبا، قالت وزيرة انتقال الطاقة الفرنسية أنييس بانييه-روناشيه في كلمة أمام مؤتمر دبي: “اتفاق كوب28 الذي تم تبنيه للتو هو انتصار للتعددية والدبلوماسية المناخية”.
وأضافت أن النص “يدعو للمرة الأولى إلى التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري، تماشيا مع هدف (حصر الاحترار المناخي بـ) 1,5 درجة مئوية”، الذي نص عليه اتفاق باريس المبرم عام 2015. وقالت الوزيرة: “هذه المرة الأولى التي تتفق فيها كافة الدولة على هذه النقطة”.
بدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بعد التوصل إلى الاتفاق، إن “عصر الوقود الأحفوري يجب أن ينتهي، ويجب أن ينتهي من خلال تحقيق العدالة والإنصاف”.
وتابع المسؤول الأممي في تغريدة على منصة إيكس: “للمرة الأولى، بات لدينا اعتراف بالحاجة إلى التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري ـ بعد سنوات عديدة من عرقلة مناقشة هذه القضية”.
“قليل من الغموض لإرضاء الجميع”
إلا أن النص لا يتحدث عن “الاستغناء التدريجي” عن النفط والغاز والفحم، وهو ما طالبت به أكثر من مئة دولة والآلاف من نشطاء المناخ.
يشرح مصدر مقرب من الرئاسة الإماراتية بأن صياغة النص “تمت معايرتها” بدقة لمحاولة التوفيق بين وجهات النظر المتعارضة، مع تعمد ترك القليل من الغموض حتى يجد كل طرف فيه ما يطالب به.
وقال نفس المصدر: “لا أعتقد أن أي طرف مسرور تماما أو حزين تماما”، بالمقترح، حسب وكالة الأنباء الفرنسية.
تعقيبا على هذه النقطة، اعتبر تحالف الدول الجزرية الصغيرة الذي يتقدم معسكر المطالبين بضرورة فرض إجراءات قوية للتخلي عن الوقود الأحفوري، بأن النص وعلى الرغم من أنه يشكل “خطوة إلى الأمام”، إلا أنه “لا يوفر التوازن اللازم لتعزيز التحرك العالمي لتصحيح المسار بشأن تغير المناخ”.
كما يلحظ أيضا أن المفاوضات لم تفض إلى اتفاق يسمح بالمضي قدما في إنشاء نظام تداول متعدد الأطراف تشرف عليه الأمم المتحدة، فيما يخص آليات معاوضة الكربون.
“احتجاز الكربون وتخزينه.. والطاقة النووية”
لكن كارولين برويلات، مديرة شبكة العمل المناخي الكندية، قالت حسب وكالة الأنباء الفرنسية، إن ما هو مطروح في قمة المناخ 28 “لا يمثل الوعد التاريخي بالاستغناء التدريجي بل بالتحول باتجاه التخلي” عن الوقود الأحفوري، وهذا يوجه رسالة مهمة. وإذا اعتُمد فستكون المرة الأولى التي ترد فيها مثل هذه العبارة، التي لا تشمل الفحم فحسب، بل النفط والغاز أيضا”.
وأبدت برويلات أسفها لإدراج “عوامل تشتيت خطرة مثل احتجاز الكربون وتخزينه، والطاقة النووية”.
كما اعتبر أندرياس سيبر من منظمة 350.org “هذا النص خطوة إلى الأمام على طريق الاستغناء التدريجي عن الوقود الأحفوري، لكنه ليس القرار التاريخي الذي كنا نأمل فيه”.
وقالت المنظمة الخميس في منشور على منصة إيكس: “دقت المطرقة وتم إتمام النص. انتهى كوب 28. لنكن صادقين: كان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28) عبارة عن حقيبة مختلطة. هناك قطع تستحق الاحتفال، وذلك بفضل العمل المضني الذي قامت به البلدان الجزرية الصغيرة وغيرها من أبطال المناخ – ولكنها بعيدة كل البعد عن الطموح الذي نحتاج إليه”.
من جانبها، اعتبرت كاثرين إبرو من منظمة Destination Zero غير الحكومية، أن الصيغ الواردة في النص الإماراتي هي حل وسط بين “الخفض والاستغناء” التدريجي عن الفحم والنفط والغاز.
وسعى سلطان الجابر جاهدا إلى إنقاذ مؤتمره الذي قال إنه يمثل “نقطة تحول” وسيتمكن من الحفاظ على الهدف الأكثر طموحا لاتفاقية باريس، وهو الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1,5 درجة مئوية.
فقد أثارت المسودة الأولى للاتفاق التي اقترحت الاثنين احتجاجات لأنها لم تدعُ إلى “الاستغناء” عن مصادر الطاقة الملوثة التي يعد حرقها منذ القرن 19 مسؤولا إلى حد كبير عن الارتفاع الحالي في درجات الحرارة العالمية بمقدار 1,2 درجة مئوية.
وطالبت نحو 130 دولة بينها الاتحاد الأوروبي والدول الجزرية والولايات المتحدة والبرازيل بصياغة نص طموح يرسل إشارة واضحة للبدء في مسار التخلي عن الوقود الأحفوري.
وتعترف مسودة الاتفاق الجديدة بدور “مصادر الطاقة الانتقالية”، في إشارة إلى الغاز، في ضمان “أمن الطاقة” بالدول النامية حيث ما زال نحو 800 مليون شخص محرومين من الكهرباء.
وتتضمن الدعوة إلى مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة وتيرة تحسين كفاءة الطاقة مرتين بحلول 2030، وتسريع التكنولوجيات ذات انبعاثات “صفر كربون” أو “منخفضة الكربون”، بما في ذلك الطاقة النووية والهيدروجين منخفض الكربون وتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه وهي ما زالت غير ناضجة ولكن تحبّذها البلدان الغنية بالنفط حتى تتمكن من الاستمرار في إنتاجه.
“لن نقبل بتدمير الأشخاص والمجتمعات الأكثر ضعفا”
انتقد لو إسبارجيليير رئيس تحرير موقع دي فير (أخضر) المتخصص في البيئة والمناخ، في منشور على منصة إكس مخرجات قمة المناخ 28 في دبي، وقال: “على الرغم من أنه أرسل فعلا إشارات (غير مسبوقة) حول الطاقات الأحفورية، لكن النص لا يقترح خفض إنتاجها واستهلاكها، في وقت دعت أكثر من مئة دولة إلى التخلص منها”.
كما قال الصحافي المتخصص في المناخ: “لن نقبل بأية نتيجة تؤدي إلى تدمير بلادنا والملايين، إن لم يكن المليارات، من الأشخاص والمجتمعات الأكثر ضعفا”.
بدورها، قالت منظمة Scientist rebellion أو “تمرد العلماء” إن سلسلة القمم المخصصة للأزمة المناخية هي “ليست الحل”. وتساءلت في منشور على حسابها في إكس: “من كان يعتقد ومتى أن قمة المناخ 28 ستكون أكثر من مجرد تمثيلية؟ للتخلص من الوقود الأحفوري، علينا الخروج من مؤتمر الأطراف”.
كما قالت المنظمة غير الحكومية التي تضم في صفوفها ما لا يقل عن ألف من العلماء المرموقين من عدة دول أوروبية: “لقد فات الأوان فعليا بالنسبة لملايين الأشخاص الذين سيتأثرون بالفوضى المناخية خلال بضع سنوات. التقاعس له سبب واحد فقط: تفريغ المخازن وتحقيق الثروة قدر الإمكان. بالنسبة لهم، من السهل تصور نهاية العالم أكثر من نهاية الرأسمالية”.
وكانت منظمة “تمرد العلماء” قد نظمت الأربعاء تحركا في بوردو وباريس ومرسيليا وليون ونانسي وتولوز ونيس ونانت وغرونوبل، استكمالا للحملة الدولية التي جاءت لمناهضة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في الإمارات. كما نظمت بالموازاة مؤتمرا بديلا.
دول عربية ترفض التخلي عن النفط والغاز
رفضت السعودية والكويت والعراق أي اتفاق يمس بالنفط والغاز، إذ تراهن الدول العربية الثلاث على الوقود الأحفوري الذي يدر عليها أموالا طائلة.
في هذا السياق، كان عدد من وزراء النفط العرب المشاركين في مؤتمر الطاقة العربي الثاني عشر في الدوحة الثلاثاء، قد أعلنوا رفضهم محاولات إدراج الاستغناء التدريجي عن الوقود الأحفوري في الاتفاق النهائي لقمة المناخ 28.
ففي كلمته خلال الاجتماع الذي شاركت فيه منظمة البلدان العربية المصدرة للبترول (أوابك)، قال وزير النفط الكويتي سعد ناصر حمد البراك: “أفاجأ من الهجمة الشرسة لما يسمى فايزنغ آوت (الاستغناء التدريجي عن) النفط وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر للطاقة بهذه الشراسة التي ربما يقابلها الشراهة من الغرب عموما في الاستحواذ على الاقتصاد والمكانة المتقدمة.. وأتعجب من هذا الإصرار غير العادي لحرمان الشعوب ودول كثيرة أكثرها في العالم النامي من مصدر أساسي للطاقة”.
كما قال وزير النفط العراقي حيان عبد الغني إنه من غير الممكن الاستغناء عن استخدام النفط، مؤكدا أن “الوقود الأحفوري سيبقى هو المصدر الرئيس للطاقة في كل العالم”.
وتوجه للدول المستهلكة للنفط بقوله إن “الدول العربية دول منتجة للنفط وليست منتجة للانبعاثات، والانبعاثات تأتي من قبل المستهلكين، وعليهم المساهمة معنا في تطوير التقنيات الخاصة في التقليل من آثارها على البيئة والمناخ”.
كذلك، قال وزير النفط والبيئة والمبعوث الخاص للمناخ البحريني محمد المبارك بن دينه إن “علينا أن نفصل النفط والتعامل مع النفط تماما عن موضوع تغير المناخ”. مضيفا: “الوقود هو جزء أساسي من اقتصاديات ومدخول بعض الدول وعلينا أن نحافظ عليه”، ودعا إلى استهلاكه “بشكل متوازن” وخفض الانبعاثات وزيادة استخدام الطاقة المتجددة وتنويع الاقتصاد.
وحضر المؤتمر الذي استمر الاثنين والثلاثاء في قطر الغنية بالغاز مسؤولون عن الجزائر وليبيا وسلطنة عُمان بالإضافة إلى وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان.
وكانت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، من الدول الرئيسية المعارضة خلال مؤتمر المناخ، لمطالب الاستغناء أو الخفض التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري عالي الانبعاثات، الذي يعد مسؤولا عن ثلاثة أرباع الغازات المسببة للاحترار العالمي.
“الجابر صريح لكننا متفقون على خلافاتنا”
يلحظ أن اتفاق الإمارات يأتي في نهاية عام سجل أعلى درجات الحرارة على الإطلاق.
وخلال المؤتمر، اعتبر مشاركون كثر أن التنظيم لا يُقارن بمؤتمر كوب27 الذي عُقد العام الماضي في شرم الشيخ بمصر. إذ قال هارجيت سينغ من شبكة “كلايميت أكشن نتوورك” Climate Action Network التي تضم 1900 منظمة، إن الجابر “صريح جدا، ومستعد للإصغاء”. وأكد أن الجابر “حازم جدا، لكننا متفقون على خلافاتنا”.
ومنذ يومه الأول، بدأ المؤتمر بإعلان كبير مع تبني قرار معقد جدا حول تشغيل صندوق الخسائر والأضرار للدول الأكثر تضررا من تغير المناخ والذي دُعيت الدول الغنية إلى تقديم مساهمتها فيه.
وطوال فترة انعقاده، وفي حين كان منصب الجابر المزدوج يتصدر العناوين الرئيسية خارج دبي، لم يعترض أي من المشاركين في كوب28 تقريبا على شرعيته، حتى في صفوف المنظمات غير الحكومية التي وجهت انتقاداتها بشكل رئيسي إلى جماعات الضغط العاملة في قطاع الوقود الأحفوري والمتواجدة بأعداد كبيرة في المؤتمر وكذلك إلى دول مثل السعودية.