و م ع
بلغت رواية “الفسيفسائي” للكاتب المغربي الشاب، عيسى ناصر، القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية برسم دورة 2024. في هذا الحوار، يجيب ناصر عن ستة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء حول هذا المنجز، وأجواء الرواية وظروف كتابتها، وموجة الأدباء الشباب بالمغرب، ونصائحه للراغبين في اقتحام عالم الكتابة من الشباب.
1. ماذا كان شعورك عندما تلقيت نبأ وصول روايتك إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) برسم دورة 2024؟
في واقع الأمر، شعوري كان مزيج سعادة واطمئنان، سعدت لهذا التشريف الذي حظي به “الفسيفسائي”. وهو تشريف أشكر عليه إدارة الجائزة ولجنتها التي وثقت في العمل. أما اطمئناني فعلى رواج الرواية. لأنها، ببلوغها القائمة القصيرة لهذا الجائزة، ستضمن حصة أوفر من الانتشار والوصول إلى عدد أكبر من القراء.
2. حدثنا عن أجواء الرواية ودلالة عنوانها “الفسيفسائي”؟
“الفسيفسائي” هي رواية تحتفي بالفن والكتابة والحرية والحب، تنكتب فيها ثلاث مخطوطات (روايتان ومذكرات)، يؤلفها ثلاثة كتاب مشغولون بهم الكتابة وهوس الفن. هؤلاء الكتاب/ الشخوص يتبادلون المواقع والأدوار في تولي دفة السرد على إيقاع بوليفونية متشابكة، مشكلين بحكيهم بناء سرديا فسيفسائيا دالا وموحيا.
المخطوطة الأولى “الفتى الموري” بقلم جواد الأطلسي، تدور أحداثها في الحقبة الرومانية ب “وليلي” المغربية في القرن الثاني الميلادي.
هذا الذي تنقل بين حرف بسيطة قبل أن يشتغل صانع فسيفساء. وهو بين أسوار الفردوس الموري المفقود (وليلي) ستندلع بينه وسيلينا الرومانية قصة حب لاهبة يحترق بها أحد الطرفين في النهاية. ما سيتبقى من قصة أيدمون لوحة فسيفسائية سوف يسكنها إحدى غرف بيت يعود لرجل موري يضمر تمرده على الرومان.
تنقلنا هذه اللوحة الفسيفسائية الكبرى المؤلفة من ثلاث تابلوهات إلى المخطوطة الثانية “ليالي وليلي” التي ستتحرى فيها صاحبتها أريادنا نويل عن الجزءين المفقودين في اللوحة الفسيفسائية الكبرى السالفة الذكر، ستكتب عن حياة جواد البوهيمية وغرامياته وعن قصة الابتزاز الأدبي الذي تعرض له على يد تهامي الإسماعيلي.
أما المخطوطة الثالثة فهي عبارة عن مذكرات كتبتها الطبيبة النفسية أريادنا نويل عن مريضيها تهامي الإسماعيلي، الآنف الذكر، وعياش الحفيان: الأول تسبب في مقتل ابنه بالخطإ فدخل في اكتئاب حاد عمق لديه عقدا قديمة ما فتئت تستيقظ في ثنايا الحكي.
والثاني سجن ظلما سنين عددا فعانى من اضطراب “ما بعد الصدمة”، صدمة الألم النفسي الذي سببه اعتقاله بسبب تهمة المشاركة في سرقة تمثال بخوس الرخامي من الموقع الأثري “وليلي”.
حال انتهاء المخطوطات الثلاث تتضح لنا جل التعالقات بينها، ليأتي “ملحق الفسيفسائي” بقلم تهامي الاسماعيلي لتفجير أسرار جديدة وحقائق مرت ظلالها أمام عيوننا سابقا، لكن دون أن نستجلي أبعادها ودلالاتها الخفية.
بخصوص العنوان، “الفسيفسائي” نسبة إلى الفسيفساء، يراد به الشخص الممتهن لهذه الحرفة أو هذا الفن القديم. وما دام فن سرد الرواية ليس في جوهره سوى عملية تجميع غير واقعي لعناصر واقعية، فكتابة الرواية تشبه ترصيفا لحصيات أو مكعبات ملونة. وتخييل رواية يشبه عمل صانع الفسيفساء.
وبهذا يكون كل كاتب أو روائي، في هذه الرواية، هو فسيفسائي بشكل من الأشكال. إضافة إلى هذا فالعنوان يمكن أن يحيلنا على شخصيتين في الرواية امتهنتا صنعة الفسيفساء، كلاهما حمل صفة الفسيفسائي، أحدهما (تهامي) احترف الصنعتين؛ الفسيفساء المغربية والكتابة.
3. هل واجهتك صعوبات خاصة أثناء كتابة الرواية؟
العمل الجيد لا يستوي دون عبوره لحلقات من التحديات، كان أصعبها الاشتغال على زمنين متباعدين تمتد الفجوة بينهما لحوالي ثمانية عشر قرنا. هنا توسلت بكتب التاريخ لعبور هذه الفجوة. رغم أن المراجع لم تعطني كل شيء متعلق بفترة الوجود الروماني بموريتانيا الطنجية. هنا اضطررت إلى ملء بياضات كثيرة بالتخييل.
ذلك لأن الحدود بين التاريخ والتخييل الروائي دائما ما تكون متحركة، حسب كل مبدع. ويحبذ أن تعطى الإبداع والتخييل الحصة الكبرى على حساب التسجيلية التاريخية.
4. شهدت الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورات سابقة بلوغ أدباء شباب لقائمتها القصيرة من قبيل عبد المجيد سباطة ومحسن الوكيلي. والآن تحل أنت. هل تعتقد أن الأدب المغربي اليوم يوجد بين أياد أمينة؟
في الواقع، قرأت لعبد المجيد سباطة ولمحسن الوكيلي، أضف إليهما طارق بكاري الذي بلغ القائمة القصيرة في 2016. أعتقد أن تسجيل الأدب الشبابي المغربي لهذا الحضور لم يكن وليد المصادفة، بل جاء بفضل عصامية هؤلاء الكتاب الشباب واعتمادهم على الجهد الفردي، واشتغالهم في صمت بعيدا عن البهرجة والأضواء.
ثم عامل القراءة الموسعة والانفتاح على الآداب العالمية. هذا إضافة طبعا إلى الاستفادة من طاقة سن الشباب وحماسته التي تصنع الفارق غالبا. وأعتقد أن اليد الأمينة التي ينبغي أن يوضع فيها الأدب المغربي أولا وقبل كل شيء، هي يد قارئ مغربي مواظب. إذ لا خوف على هذا الأدب في مجتمع شبابه يقرؤون بنهم. من بين هؤلاء القراء سنرى في القريب أقلاما قادمة بقوة.
5. هل لديك أي نصائح للشباب الذين يسعون للكتابة والتأليف؟
صدقا، لا أميل إلى النصيحة. أحبذ أن يبني الكاتب الشاب الأسلوب الخاص به معتمدا على مغامرته الإبداعية الخاصة. غير أن أهم منطلق للبادئ في الكتابة، في اعتقادي، هو الأرضية القرائية الغنية التي تأخذ من كل مجال معرفي بسهم. مع ضرورة الانفتاح على المنجز الروائي العربي والعالمي والإفادة من تقاناته.
إضافة الاشتغال الجاد والدؤوب على فكرة العمل الإبداعي ودراسة أبعادها. ثم مراعاة القارئ واستحضاره دائما في ما نكتب.
6. هل تخطط لمشاريع أدبية جديدة؟
ليست لدي مشاريع جديدة، بل قديمة. في حوار مع إدارة الجائزة كانت إجابتي عن هذا السؤال بأنني أنوي العودة إلى مخطوطة قديمة لأنفض عنها الغبار.
هي رواية كانت ضمن قائمة جائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع في صنف الرواية دورة 2020.