اتهم رشيد حموني، القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بـ”الافتراءُ والتحريف، بل والتحريض الصريح، في حق مواقف أحزابٍ سياسية”، وقال إن تضريحات بن كيران بخصوص مدونة الأسرة، يوم الأحد 03 مارس 2024، بمسرح محمد الخامس بالدار البيضاء، تعتبر “الأخطر على مجتمعنا المغربي وتجربتنا الديموقراطية الناشئة”.
وأوضح حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، في تدوينة نشرها على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”، أن تصريحات عبد الإله بن كيران “ليست هي الأولى من نوعها، ولكنها الأخطر على مجتمعنا المغربي وتجربتنا الديموقراطية الناشئة، للأسباب التي سنوردها. وهي تصريحاتٌ متهجِّمَة وأخلَّت، بشكلٍ صارخ، بواجب الاحترام الواجب بين القيادات والأحزاب السياسية”.
وقال حموني إنَّ “تصريحات الرجل، الذي تَــحَمَّلَ يومًا ما مسؤولية رئاسة الحكومة المغربية بما كان يُفترَضُ أن يجعل منه رجل دولة، هي تصريحاتٌ مُحرِّضَةٌ على الفتنة والانقسام المجتمعي، وتنطوي على تهديدٍ صريح ب”الانتفاض” ضد أيِّ إصلاحٍ تحديثي لمدونة الأسرة”.
وأضاف أن “من حق الرجل، من منطلقِ الاختيار الديموقراطي الذي أقَرَّ الدستور أنه لا رجعة فيه، أنْ يُــــعبِّر عن مواقف غارقةٍ في المحافَظة إزاء قضية المساواة أو أيِّ قضية مجتمعية أخرى، حتى لو كانت خلفية ذلك هي محاولةُ استعادة أمجادٍ غابرة، علماً أن التاريخ لا يُعيدُ نفسه سوى بشكلٍ كاريكاتوري”. قبل أن يستدرك “لكن الذي ليس من حق بن كيران هو الافتراءُ والتحريف، بل والتحريض الصريح، في حق مواقف أحزابٍ سياسية وطنية تشتغل في إطار المرجعية الدستورية الوطنية وثوابت الأمة، منذ عشراتِ السنين، وفي حق مؤسسة وطنية دستورية أساسية هي المجلس الوطني لحقوق الإنسان”.
وأشار حمزني إلى أن “الرجلُ -بن كيران- أطلق العِنان لاتهاماتٍ كاذبة وعبثية لا أساس لها إلا في ذهنه، وبلَغَ به الانسياقُ الكلامي إلى حدّ إلى إخراج كلِّ مَن له مرجعيةٌ تحديثية من دين الإسلام الحنيف، وإلى تقسيم العالَم إلى بلاد الإسلام وبلاد الكفار، وتصنيف المغاربة على أساس فهمٍ شخصي من الرجل للإيمان، من خلال إيهام الناس بأن من هو ضد المحافَظَة هو ضد الإسلام والقرآن الكريم!! أليس هذا تكفيرٌ صريحٌ ودعوةٌ إلى التطرف والمسِّ بأحد المرتكزات الأساسية التي تعضد مجتمعنا المغربي، وهو مرتكز التعددية الفكرية والسياسية الذي اختاره المغربُ منذ الاستقلال!؟”.
وأضاف القيادي في حزب التقدم والاشتراكية أن “تصريحات بن كيران وصلت مَدَاها حينما تجرَّأ على إدراج نعت “القَتَلَة” في حق المدافعين عن إمكانية الإيقاف الطبي للحمل عندما يشكل هذا الأخير خطرا على حياة الأم أو على صحتها وفي حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم وحالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يُصاب بها الجنين مع الإبقاء على تجريم الإجهاض غير الشرعي. مع العلم أن هذا الموقف كان خلاصةً موضوعية وحكيمة تمخضت عن استشارات واسعة جدا، في سنة 2015، وكان قد رَفَعَ هذه الخلاصة السادةُ المصطفى الرميد وزير العدل والحريات آنذاك والسيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والسيد إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان آنذاك، إلى النظر السامي لجلالة الملك”.
وتابع حموني “ثم إنه من الراجح أن عبد الاله ابن كيران لم يكلِّف نفسَهُ عناءَ الاطلاع المتفحِّصِ على مذكرات التنظيمات والهيئات الديموقراطية بخصوص مراجعة مدونة الأسرة، أو أنه اكتفى، في أحسن الأحوال، بتلاوة عناوينها من منطلق أحكام جاهزة ومُحَرِّفَة للحقيقة، بشكلٍ يبعثُ على الاستنكار ويدفع بالممارسة السياسية السوية نحو الهاوية، وإلاَّ ما كان لِيُكيلَ الاتهامات والأكاذيب، من قبيل “تخريب الأسرة” و”زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة” و”الزواج بدون عقد”. وهي أمورٌ لا توجد سوى في ذهن الرجل وحده بكل تأكيد”.
ولم يفت حموني إلى بعض غرائب بن كيران، وقال “من غرائب مواقف أمين عام حزب العدالة والتنمية أنَّ له فهماً عجيباً لبعض القضايا والحالات التي صار مجتمعنا المغربي يَعُجُّ بها وتحتاج إلى الاجتهاد (الاجتهاد المتنور الذي جعل من ديننا الإسلامي الحنيف والمعتدل قادراً على الجواب الواقعي على التحولات في كل مرحلةٍ من مراحل تاريخ المجتمعات المُسلِمَة)”.
وتابع “فليس من المعقول أن يَختزل الرجل، من خلال تصريحاته المستفِزَّة، رابطَةَ الزواج في العلاقات الجنسية والغواية ولذة الرجل وتشيئ المرأة التي كرمَّها الله تعالى، وفي اعتبارها موضوعاً لمتعة الرجل!!”.
وأضاف “كما ليس معقولاً ولا منطقيا أن يُـــوحي الرجلُ بأن الحل لظاهرة مغادرة الفتيات للدراسة هو تزويجهن دون سن 18 !! كما ليس من العقل إيهامُ الناس بأن من يدعو إلى تجريم الطفلات هو ضد الإسلام والقرآن الكريم!!”.
وأنه “ليس معقولاً أن يُصَوِّرَ السيدُ ابن كيران الوصيةَ على أنها أمرٌ حرام. كما أنه من باب القفز عن الواقع الادعاءُ غير العلمي بأن المساواة تُفضي إلى الجريمة والعنف ضد النساء، وإلى الطلاق، علماً أن العنف ضد النساء يتفشى أكثر في المجتمعات المغلقة التي تُسَدُّ فيها أبوابُ الاجتهاد والحرية، وعلماً أن ارتفاع نسب الطلاق راجعٌ بالأساس إلى أسباب متعددة منها العوامل الاقتصادية والاجتماعية”.
ولم يفت حموني التطرق إلى تجاهل أو جهل البعض بالتحولات التي شهدها المجتمع المغربي، وقال “من باب الجهل بالواقع ترويجُ فكرة حصر واجب الإنفاق على الأسرة في الرجل، في الوقت الذي صارت المرأة المغربية، بالنظر إلى التحولات العميقة التي طرأت على المجتمع، تحتل مكانة بارزة في معظم المهن والمسؤوليات، وبالتالي في داخل الأسرة المغربية التي نسعى إلى تماسكها وبنائها على أسس متينة”.
وأكد حموني، في الخلاصة، وجهها لعبد الإله ابن كيران: “إذا أردتَ أن تختلف، وأن تكون مواقفُك جامدة، وفهمُك للمجتمع محافظاً، فالدستور يتيح لك ذلك، والتعددية السياسية تسمح لك بذلك، والاختيار الديموقراطي يُعطيك الإمكانية إلى ذلك”. قبل أن يستدرك “لكن لا حق لك أبدًا في تكفير من يخالفُك الرأي، ولا في تبرير مواقف سياسية بتأويلك الخاص لدين الدولة والمجتمع، ومحاولة إضفاء طابع القدسية على آراءك التي قد تكون مُخطئة وقد تكون مُصيبَة. ولا حق لك في تزييف مواقف الغير”. موضحا أن “الأمر هنا يتعلق بتصريحات أمين عام حزبٍ سياسي، لذلك من المفروض أن نكون بصدد نقاشٍ سياسي بين أحزاب سياسية، نقاش يَحتملُ الاختلاف في المقاربات والتصورات، وليس بصدد نقاشٍ فقهي له مجاله وأهله واختصاصه…ومؤسساته”.
وخلض رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، في آخر تدوينته، إلى أن “الدستور هو من نحتكم إليه جميعاً، ومراجعة مدونة الأسرة هو ورشٌ أطلقه جلالة الملك بتأطيرٍ واضحٍ، والالتزام بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا هو مبدأ دستوري”.