حين إحداثه سنة 1998، رسم مهرجان كناوة وموسيقى العالم لنفسه أهدافا رئيسية، من أهمها صون ورد الاعتبار لتراث ثقافي ذو جذور إفريقية أصيلة مهدد بالزوال والاندثار، ثم تأهيل وجهة الصويرة المتفردة والغنية بمعطياتها المتنوعة والتي كانت بدورها تمر بفترات ركود عصيبة. فضلا عن المساهمة في إشعاع الثقافة المغربية على المستوى العالمي. اليوم، وبعد كل هاته الدورات وبعد كل ما تم إنجازه، يجب الإقرار بأن ما تحقق من أهداف فاق كل توقعات البدايات.
ستكتسي الدورة 25 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم، المزمع تنظيمها ما بين 27 و29 يونيو 2024، طابعا خاصا. فهذه النسخة الجديدة التي تجر وراءها سنوات من الخبرة والتجارب، ستشكل بداية لمسار وفصل جديدين. مسار متطلع إلى المستقبل وحامل لمشاريع هيكلية ومستدامة.
إطلاق مشروعين جديدين طموحين ومهيكلين
البرنامج التكويني المنظم بشراكة مع واحدة من المؤسسات الموسيقية المرموقة بالعالم: كلية بيركلي للموسيقى الذي يوجد مقرها بمدينة بوسطن الأمريكية. والذي سيجري بمدينة الصويرة من 24 إلى 28 يونيو القادم.
كرسي متخصص في ثقافة كناوة يُحْدَثُ بشراكة مع “مركز الدراسات الإفريقية” التابع لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات ببنجرير.
يندرج المشروع الأول في إطار النهج الذي سطره المهرجان، منذ سنوات عدة، والساعي إلى وضع المملكة في قلب التميز الموسيقي العالمي وتشجيع المواهب المنتمية للقارة الإفريقية. بينما يندرج المشروع الثاني ضمن مبادرات المهرجان المتعددة والهادفة إلى تعميق البحث والمعرفة حول التراث الكناوي وسبل صيانته وضمان انتقاله وتواتره.
تعد ثقافة كناوة الأصيلة والمتجذرة كنزا لا يقدر بثمن، عملنا على حمايته والدفاع عنه بشغف وحماس لما يفوق 25 سنة متواصلة إلى أن تم إدراجه ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية من طرف منظمة اليونيسكو.
الموسيقى الكناوية تركت بصمة واضحة وتأثيرا ملموسا على الساحة الموسيقية العالمية. كما أن هذين التراث والمهرجان قد أسهما في إشعاع المغرب وإبراز القيم التي يؤمن بها ويدافع عنها: قيم السلام والتعايش والانفتاح على العالم”، تؤكد نائلة التازي، منتجة مهرجان كناوة وموسيقى العالم.
تستضيف مدينة الصويرة والمعلمين الكناويين، من جديد هذه السنة، فنانين ومثقفين وإعلاميين وعشاق الموسيقى الآتين من مختلف بقاع الأرض، ليبعثوا برسائل الإخاء والتسامح والسلام للعالم بأسره. مهمة تبدو الآن أكثر إلحاحية وأهمية في سياق دولي عصيب.
عندما “تُمزَج” الموسيقى
يتميز مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة عن باقي المواعيد الموسيقية العالمية الكبرى بتقديمه لحفلات فنية فريدة واستثنائية في المزج الموسيقي.
خلال دورته الخامسة والعشرين يقدم المهرجان أربعة مائة (400) فنان، من بينهم أربع وثلاثون (34) معلما كناويا، سيحيون ثلاث وخمسون (53) حفلا موسيقيا، ستة منها في فن المزج. من بين لقاءات المزج هاته، حفل الافتتاح الذي يَعِدُ “بانفجار” إيقاعي يجمع بين أنماط موسيقية متعددة من كناوة والباتوكادا البرازيلية والفلامينكو الإسباني والزوالي الآتي من ساحل العاج. ستعمل جميع هذه الأنماط المختلفة على إبراز نقط التقائها الفني. كما يعدنا كل من المعلمين حسن بوصو (من الدارالبيضاء) ومولاي الطيب الذهبي (من مراكش) ومجموعة دامبيلي (من ساحل العاج) والفنانون نينو دو لوس راييس (من إسبانيا) وإيلي أيي (من البرازيل) بتقديم عرض احتفالي باذخ ومبهج.
حفل مزج آخر لا ينبغي تفويت الاستمتاع به مهما حصل، وهو اللقاء الموسيقي الذي سيجمع بين المعلم حميد القصري ومجموعة بوكانطي (من الولايات المتحدة وكندا). المجموعة الفنية التي أسسها عازف الغيتار ميشال ليك (سناركي بوبي) الذي سبق وُرشِّحَ في عدة مناسبات لجائزة غرامي. والذي سبق ووصفت صحيفة نيويورك تايمز حفلاته ب «تجربة مثيرة لا تنسى”.
نجوم الغد وإيقاعات العالم
عمل هذا المهرجان الرائد والطليعي والملتزم، منذ سنوات، على السفر بالجمهور عبر موسيقى العالم على إيقاعات عزف فنانين مكرسين ومعروفين أو من طرف نجوم واعدة.
هذه السنة، سيكون للجمهور فرصة ملاقاة عدة فنانين مميزين من بينهم الرابور الفلسطيني المتعدد اللغات سان لوفون (اسمه الحقيقي مروان عبدالحميد)، والثنائي القوي “العيطة مون أمور” المكون من المغنية وداد مجمع والموسيقي التونسي خليل ابي اللذان يعملان على أداء تراث العيطة الشعبي بطريقة مبتكرة تتلاءم والنفس المعاصر.
كما سيتمكن الحضور خلال هذه الدورة من سماع أحد أقوى الأصوات الصادحة بالفلامينكو، صوت الفنانة الإسبانية بويكا ذات الأصول الغينية الاستوائية التي سبق ونالت إعجاب الصحافة الدولية لأدائها الفريد.
من بين اللحظات الاستثنائية للمهرجان أيضا، الحفل الذي سيحييه الفنان الأسطوري المتخصص في موسيقى الجاز وعازف الترومبيت الأمريكي راندي بيكير الحائزعلى سبعة جوائز غرامي.
الدورة الحادية عشر لمنتدى حقوق الإنسان
بالموازاة مع الحفلات الموسيقية، ستبرمج الدورة الحادية عشر لمنتدى حقوق الإنسان لمهرجان كناوة وموسيقى العالم الذي ينظم بشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج. دورة هذه السنة ستنعقد حول موضوع راهني “المغرب وإسبانيا والبرتغال، تاريخ بمستقبل واعد”.
فعلى بعد سنوات قليلة من الحدث التاريخي الهام المتمثل في التنظيم المشترك لدورة كأس العالم لسنة 2030، سنحاول مقاربة واستكشاف العلاقات الغنية والمعقدة التي تربط بين كل من المغرب وإسبانيا والبرتغال. إذ سيعمل المنتدى، وعلى امتداد صبحيتين، على طرح ومناقشة مواضيع لها علاقة بالتاريخ المشترك للبلدان الثلاث، وبمكانة ودور الجاليات، وبالهجرة والتنقلات البشرية، وتأثير تنظيم مونديال 2030 على مسألة الجوار. اللقاء سيحضره وينشطه حوالي عشرون متدخلا وشخصية بارزة.
للإشارة، فالدورات العشر السابقة لمنتدى حقوق الإنسان عرفت مشاركة أكثر من مائة وخمسين شخصية من عوالم فكرية وسياسية وثقافية مختلفة (انتربولوجيون وفنانون وكتاب ومؤرخون ووزراء وسياسيون وفلاسفة وباحثون ودبلوماسيون…) من خمس وعشرين دولة تنتمي للقارات الأربع ( إفريقيا وأمريكا وآسيا و أوروبا).