القاهرة (أ ف ب) – ألهبت الشابة المصرية دارين حماسة الحاضرين في مسرح الجامعة الأميركية بوسط القاهرة، خلال حفلة أدت خلالها أغنيات راب على إيقاع موسيقي سريع، في إحدى المحاولات النسائية لتحقيق النجاح في مجال موسيقي لا يزال يشهد هيمنة للرجال.
فقد نجحت مغنية الراب، البالغة 21 عاما، خلال الحفلة في جذب انتباه الحاضرين الذين تمايلوا واقفين على إيقاع أغنيات مستلهمة من طفولة الشابة المصرية التي نشأت في مدينة الاسكندرية على ساحل البحر المتوسط.
وكان للاسكندرية نصيب واسع من مواهب الراب في مصر، إذ شكّلت مهد فرق حققت شهرة بعيداً من المشهد الفني الرسمي، أو ما عُرف بفرق الـ”أندرغراوند” قبل عقدين تقريبا، وقد استحال بعض أعضاء هذه الفرق التي يهيمن عليها الذكور، نجوماً يحضر حفلاتهم مئات الآلاف من المتابعين.
وعلى رأس هؤلاء النجوم الشباب، مغني الراب الأكثر انتشاراً في مصر والعالم العربي أحمد علي المعروف بـ”ويجز”، والذي كانت له مشاركة لافتة في حفلة ختام بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر نهاية 2022.
وتقول دارين، المتأنقة بالشعر المجعد والقفازات الجلدية التي تبرز منها أظافرها وردية اللون، لوكالة فرانس برس “في الاسكندرية نحن نصنع الفن، بينما في القاهرة هناك صناعة جاهزة كاملة”.
وترى دارين أن تقبّل خوض الفتيات هذا المجال “أمر صعب سواء بالنسبة لعائلاتنا أو للمجتمع”، وحتى في داخل وسط موسيقى الراب نفسه في مصر.
ويُعدّ الراب فرعا من فروع الـ”هيب هوب”، وعادة ما يتطرق المغنون في أعمالهم إلى موضوعات متعلقة بحياتهم وطفولتهم وأسرتهم، مع ترداد ألفاظ وقواف من دون الالتزام بلحن معين.
وتقول دارين “لا نؤخذ (مغنيات الراب) على محمل الجد، فليس هناك قناعة بأننا كفتيات نعاني من مشاكل”، رغم الصعوبات التي تواجهها المصريات في الحياة اليومية بينها خصوصاً التحرش.
ويوضح الباحث في مجال الموسيقى عمرو عبد الرحيم أن “جميع مغنيات الراب تقريباً من الطبقة فوق المتوسطة”، بينما “نجد تنوعا اجتماعيا أكبر بين المغنيّن” الذكور، في بلد يبلغ عدد سكانه 106 ملايين نسمة، ثلثهم فقراء، بحسب البيانات الرسمية.
وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، تركز نجمات أغاني الراب على مظهرهن المثير وملابسهن الفاتنة أثناء تأدية الأغنيات، وهو عامل رئيسي في شهرتهن.
ولكن بحسب عبد الرحيم، “لا يمكن الاعتماد على مظهر أنثوي مثير في مصر”، لأن ذلك سيعرّض المغنيات إلى أحكام قاسية من المجتمع والعائلات.
– ازدهار الصناعة –
في عام 2022، كان ويجز الفنان العربي الأكثر استماعاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على منصة الموسيقى العالمية “سبوتيفاي”.
ويقول مدير سبوتيفاي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مارك أبو جودة لوكالة فرانس برس “يمكن رؤية تأثير موسيقى الراب في تصنيفاتنا وإحصاءات الاستماع لدينا”.
وبحسب بيانات المنصة، فإن “60 % من الفنانين العرب الأكثر استماعاً” في المنطقة “كانوا من تصنيف الهيب هوب” عام 2023.
ويضيف أبو جودة “نشهد أيضاً تزايداً في عدد مغنيّ الراب العرب الذين يقومون بجولات في أوروبا والولايات المتحدة، ما يوضح مدى الإعجاب حول العالم، وخصوصاً في المجتمعات العربية المغتربة، بهذا النوع الموسيقي”.
إلا أن عبد الرحيم يرى أنه على الرغم من هذه الجولات الخارجية، ظل الراب المصري لفترة من الوقت “غير معروف” واقتصر حضوره على جمهور محدود.
ولعل التغيّر في مشهد هذا النوع الموسيقي جاء نتيجة “إضفاء المغنين احترافية على مهنتهم بشكل يؤثر على صنعهم للموسيقى والنصوص التي يكتبونها”، ولكن أيضاً “على أحلامهم”، لكونهم أول جيل يرى مغنين أكبر يحققون نجاحات اقتصادية بفضل الراب، وفق عبد الرحيم.
“الرجولة والقوة والمال”
ويرى عبد الرحيم أن شعبية موسيقى الراب التي ظهرت قبل نصف قرن في الأوساط الشعبية للأميركيين السود، لا تتوسع سريعاً في مصر “بسبب انتماء المغنين إلى الطبقتين المتوسطة والراقية، مقارنة بموسيقى المهرجانات التي تعد أكثر رواجا”.
ويضيف “يكفي التجول في شوارع القاهرة: في التوك توك أو المتاجر .. للاستماع إليها”، مشيرا إلى أنها موسيقى تمزج بين الألحان الشرقية والكلمات التي تتباهى بـ”الرجولة والقوة والمال”.
في المقابل، تتخذ رائدات الراب مسارا مختلفا في النصوص.
وتحكي دارين في ألبومها الأخير الذي أنتج باسم “كوابيس”، بحسب ما قالت، عن الاكتئاب والتقلبات المزاجية التي تمر بها الفتيات “عقب حالات الانفصال عن الشريك”.
وقد حصدت أغنية “ليلى” لدارين على منصة يوتيوب قرابة 180 ألف مشاهدة.
وبعد أن أنهت دارين فقرتها الغنائية، خرجت من المسرح وسط تصفيق حاد، وقالت إنها تريد أن تتحدث في أغانيها عن “كل شيء”، دون أي ادعاء، حتى لو كان ذلك يعني إعادة سرد أصعب حلقات حياتها.