أبرز امحمد أبا، المنتخب عن جهة العيون-الساقية الحمراء، أمام أعضاء لجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، في كاراكاس، الدينامية السوسيو-اقتصادية الشاملة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس.
وأبرز أبا، الذي يشارك في المؤتمر الإقليمي للجنة الـ24 لمنطقة الكاريبي، بدعوة من رئيسة اللجنة، بصفته منتخبا ديمقراطيا عن منطقة الصحراء المغربية، أن “الصحراء المغربية أضحت تعرف ازدهارا بفضل الاستثمارات الضخمة التي أطلقتها المملكة”، منذ استكمال وحدتها الترابية سنة 1975.
وأشار إلى أن دينامية الإصلاح تسارعت مع إطلاق الملك محمد السادس للنموذج الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية، سنة 2015.
وأوضح أن هذا النموذج يشكل آلية لتطبيق وتسريع ورش الجهوية الموسعة، التي تروم ضمان الحكامة الديمقراطية والتنمية البشرية المستدامة المندمجة، بما يتلاءم مع خصوصيات منطقة الصحراء، وفي امتثال تام لأهداف الأمم المتحدة المتعلقة بالتنمية المستدامة.
ولاحظ أبا، الذي يشارك منذ سنوات في هذا المؤتمر بصفته منتخبا عن الصحراء المغربية، أنه يتم تنفيذ هذا النموذج في إطار استراتيجية وطنية للتنمية الشاملة والمندمجة، تروم الارتقاء بظروف عيش الساكنة المحلية وإنجاز المشاريع الكبرى للبنيات التحتية، بغية تمكين المنطقة من إقلاع حقيقي.
وبفضل هذا النموذج التنموي الجديد، يضيف المتحدث، فاقت استثمارات إنجاز مشاريع كبرى الـ10 ملايير دولار، لاسيما في مجالات البنيات التحتية والصحة والتعليم والتكوين والصناعة والفلاحة والطاقات المتجددة والصيد، مضيفا أن معدل إنجاز المشاريع يتجاوز الـ80 بالمائة.
وبخصوص جهة العيون-الساقية الحمراء، قال أبا إنه تم استثمار حوالي 29.12 مليار درهم لإنجاز 90 مشروعا لدعم قطاعات الإنتاج، مثل الفوسفاط والفلاحة وتربية الأحياء المائية، والصناعة والطاقات المتجددة، والصيد البحري، والسياحة البيئية.
واستعرض أيضا إنجاز مشروع للتهيئة الهيدروفلاحية على مساحة 1000 هكتار لتطوير الإنتاج النباتي والحيواني في إقليم بوجدور، ومحطتي الطاقة الشمسية “نور العيون” و”نور بوجدور” بطاقة إجمالية تبلغ 100 ميغاواط، وإطلاق العديد من الحقول الريحية في طرفاية (300 ميغاواط)، وفم الواد (50 ميغاواط)، وأخفنير (100 ميغاواط)، وكذا مجمع صناعي جديد لإنتاج الأسمدة، ومحطة لتحلية مياه البحر تم استكمال أشغالها في أكتوبر 2022، بطاقة إنتاجية إجمالية سعتها 26 ألف متر مكعب من مياه الشرب يوميا.
ومن بين المشاريع المهيكلة الهادفة إلى تعزيز القدرة التنافسية للجهة واستقطابيتها، تطرق المتحدث إلى “تكنوبول فم الواد” (2 مليار درهم) الذي يضم جامعة محمد السادس متعددة التخصصات في العيون وثانوية تأهيلية للتميز ومركزا للكفاءات والتأهيل، فضلا عن أول كلية للطب في الأقاليم الجنوبية (257 مليون درهم) ومركز استشفائي جامعي (1.2 مليار درهم) بسعة 500 سرير.
من جانب آخر، أبرز أبا استمرار وتيرة التنمية في جهة الداخلة-وادي الذهب بوتيرة قوية، موضحا أن المجلس الجهوي يشرف على العديد من المشاريع المهيكلة التي تم إطلاقها أو قيد الإنجاز، بغلاف مالي إجمالي قدره 4.63 مليار درهم.
وقال إن هذه المشاريع تشمل قطاعات الصحة، والنقل واللوجستيك، والصناعة والتجارة والإسكان، والتنمية المستدامة والبنيات التحتية الأساسية، والتكوين المهني ودعم الجماعات في الجهة، مضيفا أن تأثير هذه المشاريع على الحياة اليومية للساكنة المحلية “مشجع وواعد”.
وأشار إلى أن مؤشرات التنمية البشرية في الصحراء المغربية كانت، في سنة 1975، أقل بنسبة 6 بالمائة من نظيراتها في الجهات الشمالية، مسجلا أن هذه المؤشرات أضحت تفوق بكثير متوسط باقي جهات المملكة.
وذكر بأن معدل النمو السنوي في العيون-الساقية الحمراء بلغ 10.9 بالمائة في 2021، وهو أعلى بكثير من المتوسط الوطني، مشيرا إلى أن إجمالي الناتج المحلي للفرد في الصحراء المغربية أعلى بـ1.6 مرة من المتوسط الوطني، وأن استهلاك الأسر يفوق المتوسط الوطني بـ8 بالمائة على الأقل. وأضاف أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد يبلغ 52 ألف و301 درهم في مدينة الداخلة، و27 ألف و442 درهما في العيون.
وفي هذا الإطار، أكد المنتخب عن جهة العيون-الساقية الحمراء أن إنجاز هذه المشاريع المهيكلة في الصحراء المغربية مكن من تحقيق تنمية أكثر توازنا، مما ساهم في تحفيز جاذبيتها السوسيو-اقتصادية، وتعزيز موقعها الاستراتيجي باعتبارها جسرا بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء.
وذكر، في هذا الصدد، بالخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء، الذي أكد فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس على ضرورة تعزيز الواجهة الأطلسية باعتبارها فضاء للتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي، بما يخدم مصالح كافة دول المنطقة وخارجها، في إطار مقاربة رابح-رابح.
وأشار إلى أن هذا الهدف يتجسد من خلال المبادرات الملكية الثلاث، وتشمل خط أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، والمبادرة الأطلسية الإفريقية، والمبادرة الرامية إلى تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، مبرزا أن الصحراء المغربية ستضطلع، بفضل ديناميتها وازدهارها، بدور رئيسي باعتبارها فضاء للأمن والاستقرار والتنمية المشتركة في إفريقيا وفي الفضاء الأطلسي وخارجه، وبصفتها منصة محورية وبوابة أوروبا والأمريكتين نحو إفريقيا.
وأشار أبا كذلك إلى أن ميناء الداخلة الأطلسي الجديد، الذي انطلقت أشغاله في أكتوبر 2021 وسيتم استكمالها سنة 2028، سيدعم التنمية الجهوية الاقتصادية والاجتماعية والصناعية في كافة القطاعات الإنتاجية، كما سيوفر لأقاليم الجنوب مرفقا لوجستيا حديثا ومتطورا، يرقى إلى طموحاتها التنموية، فضلا عن تثمين منتجات الصيد البحري.
وأوضح أن هذه البنية الجديدة، في منطقة نتيريفت (40 كلم شمال الداخلة)، والبالغ إجمالي استثماراتها 10 ملايير درهم، ستضم منطقة صناعية مساحتها 270 هكتارا، حوالي 60 هكتارا منها مخصصة لأنشطة صناعية ومرافق إدارية ومخازن، فضلا عن منطقة حرة مساحتها 13 هكتارا.
وسجل أن ميناء الداخلة سيضع الأقاليم الجنوبية في محور شبكة الطرق البحرية الدولية، من خلال توفره على منطقة صناعية لوجستية، ومنطقة مخصصة للتجارة وقسم مخصص لتطوير صناعة الصيد البحري، كما سيجعل من الأقاليم الجنوبية منصة محورية إقليمية للاستثمار والخدمات اللوجستية والتجارة الدولية، لا سيما مع القارة الإفريقية.
ولفت إلى أن البنيات التحتية لموانئ العيون (جماعة المرسى)، وطرفاية وبوجدور، تعززت بهدف إعطاء دفعة قوية للأنشطة الاقتصادية بالمنطقة، فضلا عن إحداث ميناء جديد في طرفاية. وذكر بأن هذا المشروع المندمج، الذي رصدت له ميزانية تناهز 379 مليون درهم، يندرج في إطار مخطط (آليوتيس) والمخطط الوطني لتنمية أنشطة الصيد الساحلي.
وتطرق المتدخل إلى مشروع الطريق السريع تيزنيت-الداخلة، الذي فاقت نسبة تقدم أشغاله الـ90 بالمائة، مشيرا إلى أن هذا المشروع، الذي يعد مكونا رئيسيا ضمن برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية الذي انطلق في نونبر 2015، تطلب استثمارا حجمه 10 ملايير درهم.
وأكد أن هذه البنيات التحتية ستكون متاحة أمام البلدان الإفريقية لمواكبة تنميتها، مما يعكس التزام المغرب بالتعاون الذي يعود بالنفع المتبادل لتحقيق الازدهار المشترك.
من جانب آخر، أكد المنتخب عن الصحراء المغربية أن ساكنة الأقاليم الجنوبية تتمتع بالحقوق والحريات على قدم المساواة مع مواطني باقي جهات المملكة، مسجلا أن المجتمع المدني في الصحراء يزاول أنشطته في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحرية كاملة ودون أي قيود.
وأشار، أمام المشاركين في المؤتمر، إلى أن عدد الجمعيات في الأقاليم الجنوبية فاق 7997 جمعية، مضيفا أن ساكنة الصحراء المغربية تشارك بشكل فاعل في تنفيذ السياسات المتعلقة بتدبير واستغلال الموارد الوطنية، من خلال ممثليها في البرلمان والسلطات المنتخبة على المستويين المحلي والجهوي.
وسجل أن هذه الساكنة تتوفر على نخب سياسية على مستوى المؤسسات الوطنية والمجالس الجهوية والمجالس الإقليمية، موضحا أن جميع الرؤساء المنتخبين وأعضاء المجالس الجهوية والمحلية في الصحراء المغربية ينحدرون من المنطقة، مما يكرس تدبير الساكنة لشؤونها المحلية.
وتابع بالقول “نحن الممثلون الوحيدون لساكنة الصحراء المغربية الذين يتمتعون بالشرعية الديمقراطية، على عكس أقلية تحاول، بشكل مضلل ودون أدنى سند قانوني، أن تنصب نفسها ممثلة لهذه الساكنة”.
وذكر بأن معدل المشاركة في الانتخابات العامة ليوم 8 شتنبر 2021 بلغ، على مستوى منطقة الصحراء المغربية، 66.94 بالمائة بالنسبة لجهة العيون-الساقية الحمراء و58.30 بالمائة في جهة الداخلة-وادي الذهب، وهي الأعلى على الصعيد الوطني، مشيرا إلى أن هذه الانتخابات جرت في أجواء ديمقراطية، وتابعها، بشكل مستقل ومحايد، 5020 مراقبا وطنيا ودوليا.
وبالنسبة لـ أبا، فإن معدلات المشاركة في الأقاليم الجنوبية تشكل تأكيدا صريحا من الساكنة المحلية على تشبثها بهويتها المغربية وتمسكها بالمسار الديمقراطي، مشددا على “تبرؤ واضح من أكاذيب +البوليساريو+ بشأن تمثيليتها”، ومسجلا أن الميليشيا الانفصالية المسلحة “لا تتمتع بأي شرعية قانونية أو شعبية أو ديمقراطية لترقى إلى تمثيل ساكنة الصحراء المغربية”.
وبخصوص الوضع “الكارثي” السائد في مخيمات تندوف، جنوب غرب الجزائر، لفت المتحدث إلى أن الساكنة المحتجزة في هذه المخيمات محرومة من أبسط حقوقها، وتعتبر بمثابة “أصل تجاري” تستغله جماعة “البوليساريو” المسلحة والبلد الحاضن بهدف الاغتناء، وذلك عن طريق اختلاس المساعدات.
وحذر من أن “الوضع الإنساني في مخيمات تندوف يعكس اليأس والتقاعس الذي يخيم منذ ما يقرب من 50 عاما ويشكل تهديدا لاستقرار المنطقة برمتها”، مؤكدا أن تقريرا جديدا صادرا عن برنامج الأغذية العالمي أكد، مجددا الاختلاس الممنهج للمساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة مخيمات تندوف.
وذكر، في هذا الصدد، بأن جميع قرارات مجلس الأمن، ومنذ 2011، دعت الجزائر، البلد الحاضن لمخيمات تندوف، إلى الترخيص بإحصاء ساكنة المخيمات، وفقا للقانون الدولي الإنساني.
وأضاف أن “+البوليساريو+ والبلد الحاضن لمخيمات تندوف يتحملان المسؤولية الأخلاقية والقانونية لوقف استغلال مأساة إخواننا وأخواتنا المحتجزين في هذه المخيمات، من خلال استغلالهم كأصل تجاري مدر للربح”، لافتا إلى أن الجزائر تنفق “مبالغ طائلة على نمط الحياة الفاخر لقادة الجماعة الانفصالية المسلحة وتزويدهم بمعدات عسكرية من أحدث طراز”.
وفي هذا الإطار، ناشد المنتظم الدولي مطالبة الدولة الحاضنة، الجزائر، و”البوليساريو”، باحترام التزاماتهما بموجب القانون الدولي الإنساني من أجل وضع حد لحالة الفوضى السائدة في مخيمات تندوف، من خلال السماح بعودة الساكنة المحتجزة بكرامة إلى وطنها، المغرب.
واستجابة لنداءات مجلس الأمن، بهدف إيجاد حل واقعي وعملي ومستدام وقائم على التوافق لقضية الصحراء ووضع حد لمعاناة الساكنة المحتجزة بمخيمات تندوف، ذكر السيد أبا بأن المغرب اقترح، سنة 2007 مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة الترابية للمملكة.
وقال إن المغرب يضمن، من خلال هذه المبادرة، لساكنة المنطقة إمكانية تدبير شؤونها بشكل ديمقراطي، من خلال الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مبرزا أن مخطط الحكم الذاتي يتميز باحترام المجتمع الديمقراطي الحديث ودولة القانون، والهويات الثقافية والاجتماعية والحريات الفردية والجماعية، والتنمية السوسيو-اقتصادية.
وأوضح أن هذه المبادرة، التي تتأسس على التوافق والتي وصفها مجلس الأمن الدولي بـ”الجادة وذات المصداقية”، تنسجم بشكل تام مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، مسجلا أنه تمت بلورة هذه المبادرة في إطار عملية تشاركية من خلال مشاورات وطنية واسعة النطاق قامت بإشراك الساكنة المحلية في منطقة الصحراء والأحزاب السياسية، فضلا عن مشاورات على المستويين الإقليمي والدولي.
وفي هذا السياق، يضيف المتحدث، تحظى المبادرة المغربية للحكم الذاتي بدعم هام من أزيد من 107 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتم افتتاح حوالي 30 دولة ومنظمة إقليمية قنصليات عامة لها في مدينتي العيون والداخلة، مما يعكس مغربية الصحراء بشكل لا رجعة فيه.
وشدد على أن “هذا التطور الهام يظهر غياب أي حل آخر لقضية الصحراء المغربية إلا في إطار سيادة المملكة ووحدة أراضيها”، معتبرا أن الوضع القائم “يترك الباب مفتوحا أمام المخاطر الأمنية، لاسيما العنف والتطرف والاتجار بالبشر والاستغلال الاقتصادي”.
وبرأيه، فإن على المجتمع الدولي مطالبة باقي الأطراف بالمشاركة في العملية السياسية للأمم المتحدة، الجارية تحت إشراف الأمين العام، دون شروط مسبقة وبحسن نية، بهدف التوصل إلى حل سياسي واقعي وقابل للتطبيق ومستدام وتوافقي لهذا النزاع الإقليمي، وإنهاء معاناة ساكنة مخيمات تندوف، والتوقف عن عرقلة تقدم المنطقة بأكملها.
ويمثل المغرب في المؤتمر الإقليمي للجنة الـ24 لمنطقة الكاريبي وفد هام يرأسه السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال.
ويضم الوفد المغربي، على الخصوص، رضوان الحسيني، مدير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج.