أ.ف.ب
يغادر المدرب الألماني يورغن كلوب، نادي ليفربول، الأحد، كأسطورة حيّة، بعدما أعاد إلى خزائن الفريق لقبي الدوري الإنجليزي لكرة القدم، ودوري أبطال أوروبا، في مرحلة بنى خلالها علاقة متينة مع المدينة وأبنائها.
ومنذ أن أعلن ابن الـ56 عاما في يناير قراره المفاجئ بترك منصبه في نهاية الموسم، بدا شعور الفقدان الذي غمر مقاطعة ميرسيسايد واضحاً بشكل ملموس.
هذه المشاعر هي شهادة على التحوّل الذي لم يشهده نادي ليفربول منذ أيام المدرب الأسطوري الاسكتلندي بيل شانكلي، قبل عقود.
في اليوم الأول له منذ وصوله إلى ملعب أنفيلد في أكتوبر 2015، وصف كلوب نفسه بتواضع بأنه “نورمال وان” (العادي)، في تناقض صارخ مع البرتغالي جوزيه مورينيو الملقّب بـ”سبيشال وان” (المميّز)، والذي غادر تشلسي في العام عينه الذي جاء فيه الألماني.
لكن الألماني أثبت أنه لم يكن مدربا عاديا، إذ أصبح المدرب الوحيد لليفربول الذي جمع ألقاب الدوري، دوري الأبطال، كأس الرابطة، كأس إنجلترا، كأس العالم للأندية ودرع المجتمع.
صنع كلوب اسما لنفسه حتى قبل قدومه إلى إنجلترا، حيث توّج مع بوروسيا دورتموند بلقب الدوري الألماني في موسمين متتاليين (2010-2011 و2011-2012) قبل سيطرة بايرن ميونخ لـ11 موسماً متتالياً.
انتصارات بعد الركود
رغم نجاحه في بلاده، لم تكن الثقة عالية بالمدرب بأن يتمكن في إعادة إحياء أحد عمالقة إنجلترا بعد فترة طويلة من الركود.
وصل كلوب لخلافة الإيرلندي الشمالي براندن رودجرز، حين كان الفريق في المركز العاشر ضمن الدوري الذي لم يفز بلقبه لـ25 عاما متتالية. لكن قوة شخصيته وذكاءه التدريبي بدأت بسرعة في جذب قاعدة جماهيرية عاطفية للغاية.
وقال كلوب، بداية ماي الحالي: “هذا نادٍ مميّز جدا جدا. لم أجعلهم يؤمنون، بل ذكّرتهم بأن الإيمان يُساعد.. الكل كان جاهزاً لدفع القطار. هذا ما فعلناه ونفعله طوال 8 أعوام ونصف العام”.
امتزج تاريخ ليفربول بالمآسي والانتصارات. وكارثة ملعب هيلزبره عام 1989 التي ذهب ضحيتها 97 مشجعا للنادي بسبب التدافع خلال مباراة في الدور نصف النهائي لمسابقة كأس إنجلترا ضد نوتنغهام فورست، تركت جرحا كبيرا.
يقول أسطورة النادي السابق الاسكتلندي، غرايم سونس، عن كلوب: “يُتقن التواصل، شخصية جذابة وقائد مجموعة. يتناسب تماماً مع ليفربول لأنه يحس بمشاعر هذا المكان”.
وتابع: “ليفربول ناد عاطفي للغاية، له تاريخه ومآسيه. تشعر بهذه العواطف حين تذهب إلى أنفيلد وتسمع (لن تسير وحدك أبداً)”، في إشارة إلى نشيد النادي.
“كبر الحب”
قبل أن تبدأ الاحتفالات مع كلوب كانت هناك الكثير من الخيبات، إذ خسر ليفربول 3 نهائيات في كأس الرابطة، والدوري الأوروبي (يوروبا ليغ) ودوري الأبطال.
في موسم 2018-2019 حقق الـ”ريدز” أكبر عدد من النقاط في موسم واحد في تاريخه (97)، لكن ذلك لم يكن كافيا للتفوق على مانشستر سيتي، بقيادة الإسباني بيب غوارديولا.
من بعدها، بدأ عهد الانتصارات حين توّج الفريق بدوري الأبطال على حساب توتنهام وأصبح بطل أوروبا للمرة السادسة في تاريخه.
في طريقه إلى النهائي، عاش ليفربول أجمل ليلة له في مشاركاته القارية، حين تغلب على ضيفه برشلونة الإسباني بقيادة الأرجنتيني ليونيل ميسي، برباعية نظيفة.
وبعد 5 أعوام على بداية عهد المدرب الألماني، توج ليفربول بلقب الدوري أخيرا عام 2020، لكن كان هناك شعورا بالنقص بسبب رفع الكأس في ملعب أنفيلد الخالي من الجماهير، وذلك بسبب قيود فيروس كورونا.
مرحلة كوفيد كانت صعبة على كلوب، فلم يتمكن من حضور جنازة والدته بسبب قيود السفر، كما أن فريقه عانى في موسم 2020-2021 الذي لُعب بمعظمه خلف أبواب موصدة.
لكن فريقه انتفض مجدداً وفاز بكأس الرابطة وكأس إنجلترا عام 2022، وكان قريبا من تحقيق رباعية تاريخية بضم لقبي الدوري ودوري الأبطال إلى الخزائن، لكنه حلّ وصيفاً لسيتي بفارق نقطة وخسر نهائي المسابقة الأوروبية الأعرق أمام ريال مدريد الإسباني (0-1).
وبعد موسم 2022-2023 الصعب، أثبت كلوب فطنته التدريبية مجدداً بعدما جدد الفريق بعناصر شابة، لكنه أقرّ في بداية هذا العام بأن طاقته قد نفذت “استمتعت بكل لحظة منذ اليوم الأول”.
وأضاف: “المسؤولية والحب الذي كبر خلال السنوات يشكلان جزءاً كبيراً من القرار الذي اتخذته، لذا أنا بخير تماماً ومرتاح لهذا القرار”.
لكن النهاية لم تكن كما في الأفلام، فاكتفى ليفربول بلقب واحد هو كأس الرابطة الذي فاز فيه على حساب تشلسي في النهائي الذي جمعهما في فبراير.
وبعدما كان الفريق في طريقه إلى أكثر من لقب، خرج عن المسار الصحيح فودّع كأس الرابطة و”يوروبا ليغ”، كما ابتعد في سباق المنافسة على لقب الدوري بعد سلسلة من النتائج المخيّبة.
لكن ذلك لن يقلل من الألم بينما يغادر كلوب أنفيلد للمرة الأخيرة بعد مواجهة ولفرهامبتون، الأحد، تاركاً مكاناً له في قلوب الجماهير.