الصحافي رشيد نيني يكشف موطن الخلل في نتائج أولمبياد باريس

طالب الصحافي الكبير رشيد نيني في عموده اليومي بضرورة إجراء افتحاص عام لكل الجامعات الرياضية على المستوى المالي والإداري والتقني من لدن الوزارة الوصية كخطوة طبيعية بعد النتائج المحبطة للرياضة المغربية في أولمبياد باريس. وأضاف نيني في عموده بجريدة الأخبار، أن هناك مشاكل كبيرة تعتري استراتيجية الوزارة بشأن تأهيل الرياضيين، خصوصا بعد تعاقب 8 وزراء على القطاع في السنوات العشر الأخيرة، وهو ما انعكس على التدبير الحكومي، وغياب الالتقائية في السياسات المتبعة، سيما في ما يتعلق بالرياضة المدرسية والتي كانت هي المشتل الحقيق لتفريخ الأبطال.

في مايلي نص العمود كاملا لأهميته مع الشكر الجزيل لصاحبه :

حالة إحباط

يشعر المرء بالغبن والحزن وهو يتابع منافسات أولمبياد باريس، خصوصا عندما يسمع عزف النشيد الوطني للدول المشاركة ورؤية أعلامها خفاقة دون أن يتمكن من سماع النشيد الوطني ورؤية الراية المغربية ترفرف في سماء الملاعب. وعمليا فالجميع ينتظر إحراز المنتخب الأولمبي لكرة القدم والعداء البقالي لميداليتين.

والحقيقة أنه عدا كرة القدم والعدو لم نطور منذ التسعينات إلى اليوم البنيات الضرورية لإفراز أبطال في الرياضات الأولمبية الأخرى، بل بالعكس فما حدث هو إغلاق المشاتل التي كانت تعطي الأبطال من مختلف المدن والأقاليم.

كيف يمكن أن ننتظر بروز سباحين مغاربة ونحن نرى أن أغلب المسابح البلدية في المدن أغلقت؟

كيف نريد أن تكون لنا فرق قوية في كرة السلة وكرة اليد والكرة الطائرة ونحن نرى كيف تم هدم ملاعب هذه الرياضات وتفويتها لتماسيح العقار؟

ولماذا سأذهب بعيدا، ففي مدينة ابن سليمان كان لدينا مسبح بلدي به ملعب للسباحة الحرة والكرة الطائرة، وبجانبه ملعب للتنس وغير بعيد عنه كان هناك غولف ملكي، فتعاقب على المجلس البلدي أمنيون معدمون وجشعون فأغلقوا المسبح البلدي وأهملوا ملعب التنس وسمحوا بأن يجتاح السكن الاقتصادي الغولف.

أذكر أنه في تلك السبعينيات والثمانينيات كان هناك شيء اسمه العدو الريفي والألعاب المدرسية والأنشطة الرياضية المدرسية ASS، كانت لدينا إعدادية ترك فيها الفرنسيون ملاعب الجمباز والقفز الطولي والعلوي وكل ملاعب الرياضات الأولمبية. كان لدينا في المدينة فريق لكرة اليد وفريق لكرة السلة، وكانت لدينا امرأة تتنفس الرياضة، أطال الله عمرها، اسمها مدام العطاوي كانت لوحدها مدرسة رياضية متحركة. كان لدينا السي عبد الله بن مغار رحمه الله والذي كون مجانا العشرات من الأسماء الكروية المحلية.

لقد رحل كل شيء وتحولت المجالس البلدية إلى تجمع لأصحاب المصالح، وصار الجميع يبحث عن أسهل الطرق للاغتناء والضحية الأولى كانت دور الشباب والنوادي الرياضية والمسابح والملاعب.

في كل دورة أولمبية يتجدد الحديث عن واقع الرياضة المغربية ودخول ممثليها إلى أجواء التنافس، لكن ما إن تمر مدة قليلة على ردود الأفعال المنتقدة والغاضبة بسبب الإقصاء المتسارع لحاملي مشعل التمثيلية، سيما من الأدوار المبكرة، حتى تعود الأوضاع إلى سابق عهدها باجترار نفس الأساليب والأدوات والعقليات، منتظرة مرور أربع سنوات لاستعادة الخطاب المشتكي والمنتقد ذاته.

والحقيقة أنه آن الأوان لكي نطرح جميعا علامة استفهام حول الأسباب التي تجعل الرياضة الوطنية غير قادرة على مسايرة إيقاع التنافس الأولمبي، باعتباره من بين الاستحقاقات العالمية التي تقيس من خلالها الدول درجة تقدمها أو تراجعها في سلم التنمية الرياضية المستدامة.

ويبقى سؤال تحديد المسؤوليات أبرز مدخل لتشخيص دقيق، وبعيد كل البعد عن “منطق” خلق الأوراق، والتملص من المسؤولية، ورميها في مرمى الطرف الآخر.

ولعل السب الرئيسي في هذا الفشل المتواصل للرياضة المغربية، على صعيد الألعاب الأولمبية الصيفية، هو انغلاق معظم الجامعات على أنفسها، وغياب أسس الانفتاح والحوار والمقاربة التشاركية في التعريف ببرامجها ومخططاتها، ونفورها من ممارسة النقد الذاتي.

كما أن منهجية التحضير لإعداد وتأهيل الرياضيين الذكور والإناث للاستحقاقات العالمية العظمى مثل الأولمبياد تتم في الخفاء، دون إصدار بلاغات توضيحية في شأنها، والكشف عن سقف التوقعات، وتحديد الأهداف الحقيقة المراد بلوغها، على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

وهناك أيضا عامل آخر في هذا النكوص، وهو المتعلق بسؤالي الجدوى والتقييم بعد كل دورة أولمبية، ومن له القدرة على محاسبة الآخر، خصوصا في ظل ارتفاع عدد الجامعات إلى 57، وغياب مبدأ تكافؤ الفرص والمناصفة في التعامل معها وفق خصوصيات ومتطلبات واحتياجات كل نوع رياضي.

ولابد من الاعتراف بأن الوزارة الوصية على القطاع الرياضي ما زالت تفتقد لقوة الإرادة في أن تكون بمعية اللجنة الوطنية الأولمبية شريكا حقيقيا للجامعات ودون تمييز ولا محاباة، في مخططات تطوير منظومة التنافس، وتأهيل الرياضيين، ومصاحبتهم بانتظام، بشكل متلازم مع تأهيل العنصر البشري المتمثل في المدربين والمكونين والحكام والإداريين.

وإذا كان هناك إجماع على أن سؤال الحكامة في تدبير قضايا الرياضة الوطنية يبقى من الإشكاليات المطروحة بحدة، فإن هناك أيضا إجماعا على أن الرياضة المدرسية والجامعية ما زالت تتخبط في متاهات وتوجهات غير مجدية، تجعلها غي قادرة عل أن تشكل القاعدة الخلفية في اكتشاف المواهب، والمزود الأساسي والحيوي للرياضة الوطنية بالمواهب والطاقات الصاعدة، في غياب برامج لأنشطة رياضية مدرسية وجامعية محفزة ونموذجية على مدار الأسبوع، وعلى امتداد كل موسم دراسي وجامعي، ومرتبطة ارتباطا وثيقا بالمناهج التعليمية والجامعية، وتحظى بمكانة مؤثرة في نظام المراقبة المستمرة والتنقيط كعامل محفز للتلاميذ والطلبة في مسارهم التعليمي.

وهناك مشاكل كبيرة تعتري استراتيجية الوزارة بشأن تأهيل الرياضيين، خصوصا بعد تعاقب 8 وزراء على القطاع في السنوات العشر الأخيرة، وهو ما انعكس على التدبير الحكومي، وغياب الالتقائية في السياسات المتبعة، سيما في ما يتعلق بالرياضة المدرسية والتي كانت هي المشتل الحقيق لتفريخ الأبطال.

والسؤال الكبير هو كيف نريد من الرياضات الأولمبية أن تتطور في ظل وجود رؤساء جامعات “خالدين” في المناصب، منهم من تقارب مدة إقامته في جامعته 20 سنة، ولم يقدموا أي إضافة، ومنهم من عجز عن التأهل إلى الألعاب الأولمبية فبالأحرى التألق فيها.

هناك مجموعة من الجامعات التي تعيش صراعات متطاحنة في ما بينها وبين رياضييها، ما ينعكس على عملية الانتقاء ويحرم الرياضيين الذين يستحقون المشاركة، وتعويضهم بآخرين أقل قدرات رياضية، ما يجعلهم يقدمون أداء متواضعا أمام ملايين المشاهدين في الأولمبياد، والأمر تكرر في الدورات السابقة.

ويحول غياب المحاسبة دون تطوير الرياضة، مع سعي المسؤولين إلى إحباط الرياضيين، وهناك من يعمل على إجبارهم على السكوت عن الممارسات التي تطولهم، وإلا سيكون مصيرهم الطرد من المنتخب المغربي.

وبعد النتائج المخجلة التي أحرزتها المنتخبات الأولمبية، هناك حاجة ملحة لإجراء افتحاص عام لكل الجامعات على المستوى المالي والإداري والتقني من لدن الوزارة الوصية، فهناك تقارير موضوعة في الرفوف أظهرت وجود ضعف كبير على مستوى الحكامة، التكوين، التأطير الرياضي، والتدبير الإداري والمالي، هذا الأخير الذي يشهد اختلالا كبيرا، مما يؤثر على مستوى تألق رياضيينا ويخلق حالة من الإحباط لدى المغاربة.

Total
0
Shares
أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشورات ذات الصلة