تنازع صلاحية البت في أهلية الترشح للرئاسيات مازال يهيمن على النقاش العمومي في تونس

و.م.ع

مازال تنازع الصلاحيات بين هيئة الانتخابات والقضاء الإداري في تونس، وخصوصا التنازع حول الجهة صاحبة الكلمة الفصل في تحديد أهلية المرشحين لخوض السباق الرئاسي المزمع تنظيمه في سادس أكتوبر المقبل، يشكل الموضوع الأبرز في الساحتين السياسية والحقوقية وفي اهتمامات الإعلام المحلي.

فمنذ أن أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في 2 شتنبر الجاري عن قائمة المرشحين المقبولين نهائيا ورسميا لخوض السباق الرئاسي، والتي لم تدرج فيها أسماء سبق للمحكمة الإدارية أن أكدت في أحكام نهائية على حقها في الترشح، لم تتوقف البيانات والتصريحات للتعبير عن موقف سياسي أو حتى تأويل قانوني بخصوص عدم الأخذ بأحكام القضاء وتطبيقها.

ومن آخر هذه المواقف ، تأكيد الهيئة الوطنية للمحامين بتونس على أن “الأحكام القضائية الباتة إذا ما صدرت وتم الإعلام بها طبقا للإجراءات القانونية تكتسب حجيتها من القانون وتنفذ بقوة القانون وباسم الشعب بما يجعلها واجبة الاحترام من قبل الجميع”.

وحذر مجلس الهيئة، في بيان ، من تبعات السجال الحاصل بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية، و”خطورة هذا السجال على السلم الاجتماعي لمساسه بمكانة القضاء كوسيلة لفض النزاعات بما يؤدي إلى فقدان الثقة في القضاء على وجه الخصوص وفي مؤسسات الدولة عموما”.

كما شدد 87 أستاذا للقانون والعلوم السياسية ، في بيان جماعي ، على وجوب الالتزام بأحكام القضاء “حماية لشرعية المسار الانتخابي وإعلاء لدولة القانون وقيم الجمهورية”.

وأكد البيان ، الذي حمل توقيعات أساتذة جامعيين وعمداء بمختلف الجامعات التونسية، على أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية هي “أحكام باتة وغير قابلة لأي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب وهي واجبة التنفيذ ولا يجوز لأي جهة أخرى مهما كانت إعادة النظر فيها أو مراجعتها أو تأويلها أو الامتناع عن تنفيذها ” .

من جانبه عبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن رفضه ل “إلغاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لقرارات المحكمة الإدارية، بخصوص قبول عدد من الترشحات إلى الانتخابات الرئاسية، وإصدارها لقائمة نهائية من جانب واحد رغم قبولها التعاطي مع القضاء الإداري في الملف منذ الانطلاق”.

بدورها دعت “الجمعيات الشريكة لملاحظة الانتخابات”، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، “الى الالتزام بمقتضيات الشرعية واحترام صلاحيات القضاء، من خلال مراجعة قرارها والتصريح بالقبول النهائي للمترشحين الذين صرحت الجلسة العامة للمحكمة الإدارية بعودتهم للسباق الانتخابي”.

وأكدت الجمعيات أن المحكمة الإدارية، “تبقى ضامنا لحماية الحقوق والحريات عامة والحق في الانتخاب والترشح خاصة”، معتبرة أن عدم تنفيذ هيئة الانتخابات لأحكام المحكمة الإدارية يمثل “إنكارا لدور المحكمة الإدارية التي أسند لها القانون الانتخابي اختصاص رقابة شرعية قرارات هيئة الانتخابات”.

في المقابل ، عبر حزب “مسار 25 جويلية” (حزب يدعم القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس في 25 يوليوز 2021) عن “المساندة المطلقة” لقرار هيئة الانتخابات التي قال إنها “تتعرض لحملة مغرضة” بعد رفضها “العائدين الى السباق الانتخابي”، بأحكام صادرة عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الادارية.

كما عبر عن “استغرابه” لما اعتبره “اجتهاد المحكمة الإدارية في تجاوز الدستور ومخالفة أحكام القانون الانتخابي”، متسائلا عن كيفية سماحها “بالعودة الى السباق الانتخابي لمن يحمل جنسية أجنبية، ولمن تعلقت به قضايا عدلية في تدليس تزكيات، ولمن صدرت في حقه أحكام جزائية بالحرمان من الترشح” .

وقد شكل موضوع الجهة المخولة بالفصل في من له أحقية الترشح للرئاسيات مادة إعلامية دسمة أيضا في وسائل الإعلام التونسية إلى درجة أن صحيفة ” الصباح ” تحدثت عن”حرب التأويلات للقوانين وللفصول القانونية” والتي ” عادت من جديد لتخلق حالة من الضبابية حول مدى صدقية هذا التأويل أو ذاك”.

وسجلت الصحيفة أن ” الأمور لم تحسم نهائيا على مستوى النقاش العام في البلاد ، ووجدنا أنفسنا في ظل بحر من التأويلات والقراءات القانونية المختلفة والمتناقضة أحيانا” متسائلة عما إذا كانت القوانين قد وضعت “لتطبق أم لتكون موضوعا لتأويلات لا تنتهي ؟ “.

وضمت القائمة النهائية للمرشحين للرئاسيات التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كلا من زهير المغزاوي والرئيس قيس سعيد الذي يسعى لولاية ثانية، والعياشي زمال، فيما رفضت الهيئة قبول الحاق عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي وعماد الدايمي بالقائمة رغم اصدار المحكمة الادارية قرارات نهائية تقضي بالغاء قرارات الهيئة برفض ملفات ترشحهم.

وبررت الهيئة قرارها بأنه “ثبت لديها قطعا أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الادارية بخصوص الطعون المقدمة الى الجلسة العامة القضائية للمحكمة من طاعنين بخصوص ملفات ترشحهم للرئاسيات المقبلة لم تقض بصفة واضحة وصريحة بادراج المترشحين الطاعنين بالقائمة النهائية للمترشحين”.

وأوضحت أن هذه الأحكام “موقوفة بشرط التثبت من تمتع المترشحين المرفوضين بجميع حقوقهم المدنية والسياسية في غياب وجود البطاقة عدد 3 (بطاقة السوابق العدلية) المشترطة في القرار الترتيبي للهيئة الانتخابات”، مضيفة أن ذلك “يؤكد تعذر تنفيذ تلك الاحكام حتى ولو تم إعلام الهيئة بها في الاجال القانونية”.

أما المحكمة الإدارية فقد ردت على لسان الناطق الرسمي باسمها فيصل بوقرة ، الذي وصف قرار هيئة الانتخابات ب” السابقة” مشددا على أن سلطة الهيئة “مقيدة في التنفيذ وليست تقديرية”.

Total
0
Shares
أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشورات ذات الصلة