ظاهرة “ناس الغيوان”.. ثلاثة أسئلة للأستاذ الجامعي حسن حبيبي

و.م.ع
بعد مرور حوالي نصف قرن على تأسيس فرقة ناس الغيوان، لا يزال الإرث الفني لهذه المجموعة الأسطورية يلهم الشباب ويأسر الكبار، من بين أولئك الذين عايشوا “الفترة الذهبية” من أداء ونشاط المجموعة.

في هذه الحوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، يناقش حسن حبيبي، أستاذ الصحافة والإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، سياق نشأة هذه المجموعة الموسيقية، وعوامل نجاحها، ومكانتها الاجتماعية، وكذا الأثر الثقافي وأسباب تأثيرها الخالد.

كما سلط حبيبي الضوء على مساهمة الشخصيات الرئيسية في تشكيل مسيرة ناس الغيوان، فضلا عن التأثير العالمي لهذه المجموعة التي لا زالت تمهد الطريق للفنانين الشباب الآخرين.

1. كيف تمكن ناس الغيوان من إحداث ثورة في الساحة الفنية المغربية وترك بصمة خالدة في الموسيقى الشعبية في المغرب؟

لقد فرضت فرقة ناس الغيوان نفسها من خلال توجه فني مبتكر أثر بعمق في الثقافة الشعبية والأشكال الموسيقية التقليدية، ولم يكن نجاحهم نتاج صدفة، بل هو انعكاس للتناغم بين العديد من الفنانين الشباب خلال تلك الفترة.

تشكلت المجموعة في سياق اجتماعي وثقافي معقد، في وقت كان من الضروري فيه إعطاء صوت لتطلعات المغاربة وواقعهم. استطاعت ناس الغيوان تجاوز السطحية التجارية من خلال ابتكار موسيقى تحتفي بالقيم الجماعية وتعارض النرجسية والشهرة المفرطة. ولم تكن موسيقاهم مجرد تعبير فني منفصل عن الواقع، بل كانت رحلة فكرية، متجذرة بعمق في التراث الشعبي المغربي، من خلال التقاط اللحظات المشرقة والكرم العاطفي لهذا التراث، حيث نجحوا في الكشف عن الطاقات الكامنة وتحريرها.

وما يميز تجربة هذه المجموعة هو الأصول المتواضعة لأعضائها الذين ينحدرون من الطبقة الهشة بالدار البيضاء، وتحديدا من الحي المحمدي الشعبي، ولا يستفيدون من أي امتيازات. كان مستوى تعليمهم محكوما بالحاجة والعقبات الاجتماعية. ومع ذلك، لم يخضعوا لأي قيود حزبية أو نقابية، مما جعلهم جزءا من فن صادق وجريء.

ولذلك فإن تأثير ناس الغيوان على الثقافة الشعبية هائل، حيث أعادوا إبداع موسيقى مغربية من خلال دمج العناصر التقليدية مع معالجة المواضيع الاجتماعية والسياسية عبر مقاربة متميزة وأصوات أصيلة، إذ لم يؤثر توجههم على الفنانين الآخرين فحسب، بل ساهم أيضا في زيادة الوعي بالواقع الاجتماعي.

2- كيف تمكن ناس الغيوان من تطوير وعي فني ملتزم بالبديل الجمالي للأشكال الموسيقية الشعبية؟

تمكن أعضاء الفرقة من تطوير وعي فني عميق وخلق بديل جمالي للأشكال الموسيقية الشعبية، حيث يعتمد نجاحهم على عدة عناصر أساسية ساهمت في ظهور هويتهم الفنية الفريدة، في مقدمتها، شغف وإصرار أعضائها مثل بوجميع وباطما، إذ أن التزامهم بالاعتماد على كتب التراث والحكايات الشعبية يدل على الرغبة في الحفاظ على التراث الثقافي المغربي وإحيائه.

وقد مكن هذا التوجه ناس الغيوان من التغلغل بعمق في المشهد الفني المغربي، من خلال تقديم ثراء موسيقي يتردد صداه مع المكونات الثقافية المختلفة للبلاد. كما ساهم عبد العزيز الطاهري بشكل كبير، بفضل معرفته الكبيرة بفن الملحون، في ترسيخ هذه التجربة.

من جانبهما، أعاد كل من عمر السيد وعلال يعلى النظر في الإيقاعات والأغاني التقليدية التي كانت مهددة بالاختفاء. إن تفانيهم في الحفاظ على هذه الأشكال الموسيقية الأصيلة لم يعزز هوية ناس الغيوان الموسيقية فحسب، بل ساهم أيضا في إعادة النظر في بعض التعبيرات الموسيقية وإضفاء أسلوب جديد عليها.

وتمكنت هذه المجموعة من تقديم موسيقى تصل مباشرة إلى قلوب جمهورهم، من خلال تجنب أي مساومة على حساب الرسالة التي خصصوها لفنهم، وذلك لكونها تنبثق ببساطة من واقع الجمهور.

3- لم يبق بوجميع مع المجموعة إلا لمدة ثلاث سنوات. لماذا أنتم مقتنعون بأن هناك ما قبل بوجميع وما بعده؟

رغم أن بوجميع استمر مع ناس الغيوان لمدة ثلاث سنوات فقط، إلا أن عمق وتأثير مساهمته كان كبيرا، حيث كان بمثابة القلب النابض للمجموعة. عندما أسس ناس الغيوان، فعل ذلك برؤية واضحة: خلق موسيقى لا تسلي فحسب، بل تجسد التطلعات والحقائق الاجتماعية الصعبة.

جلب بوجميع معه تقليدا شفهيا غني ا طوره بفضل قربه من والدته التي كانت مصدر إلهامه الرئيسي. واستطاع الاعتماد على هذه الجذور لصياغة لغة فنية جديدة، حيث تحمل الإيقاعات والكلمات رسائل عميقة، ففي كل نغمة عزفها وكل كلمة قالها، كان بوجميع يدافع من خلالها عن قضية إجتماعية.

أدت وفاة بوجميع المبكرة، عن عمر يناهز 30 عاما، إلى تغيير مسار مشروع إعادة الابتكار الموسيقي، مما ترك فراغا كبيرا داخل الفرقة. ومع ذلك، كان تأثيره قويا جدا لدرجة أن المجموعة ظلت تحمل بصمات عبقريته حتى بعد رحيله.

ولذلك فمن الضروري الحديث عن فترتين متميزتين في تاريخ ناس الغيوان: فترة عهد بوجميع تلك التي بدأت بعد وفاته. ولا بد من القول أنه في عهد بوجميع، كانت المجموعة مدفوعة بشعلة إبداعية شديدة، تغذيها لهجة أكثر انتقادية.

ولا يزال تراث بوجميع حيا حتى اليوم، ليس فقط في أعمال مجموعة ناس الغيوان، بل في أعمال العديد من الفنانين الشباب.

Total
0
Shares
أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشورات ذات الصلة