و.م.ع
في الولايات المتحدة، لا تعد العلاقة بين السياسة وعالم الترفيه والرياضة وليدة اليوم. فحتى قبل ظهور الباباراتزي والتابلويدات، وفي سابقة من نوعها، خلق الممثل والمغني الشهير آل جولسون الحدث بدعمه للرئيس التاسع والعشرين للولايات المتحدة، وارن هاردينغ.
إذ قام النجم الأكثر شهرة والأعلى أجرا آنذاك في بلاد العم سام، بتأليف أغنية خصيصا للمرشح الجمهوري بعنوان “هاردينغ، أنت الرجل المناسب لنا”. حققت الأغنية نجاحا كبيرا وساهمت في وصول هاردينغ إلى أعلى منصب في البلاد (1921-1923).
وفي الستينيات، حقق نجم آخر، فرانك سيناترا، تأثيرا مماثلا من خلال أغنية تساند المرشح الديمقراطي، جون إف. كينيدي. وقد ساعدت أغنية “آمال كبيرة لرئاسة جون إف. كينيدي” في منحه ميزة حاسمة على منافسه ريتشارد نيكسون.
كما أن نجوما آخرين، مثل الملاكم العالمي محمد علي وأسطورة الإعلام التلفزيوني، أوبرا وينفري، أث روا في الساحة السياسية الأمريكية بدعمهم، على التوالي، للرئيس رونالد ريغان في 1981 وباراك أوباما في 2008.
وخلال الحملة الحالية، برسم الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 5 نونبر المقبل، سعى المرشحان الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس إلى تسليط الضوء على تأثير المشاهير خلال التجمعات العديدة التي نظموها، لجذب المزيد من أصوات الناخبين.
فقد اعتمد رجل الأعمال النيويوركي على حضور العديد من النجوم في تجمعاته مثل الموسيقي كيد روك وعارضة الأزياء آمبر روز لإثارة حماس أكبر بين الناخبين واستقطاب مؤيدي هؤلاء الفنانين.
في المقابل، اختارت نائبة الرئيس الحالية أسماء كبيرة في عالم الراب الأمريكي مثل ميغان ذا ستاليون وكوافو.
في ظل هذا الإقبال على حشد تأييد نجوم الترفيه والرياضة، وعلى بعد ثلاثة أسابيع من المبارزة الرئاسية المرتقبة، يتساءل بعض المراقبين والمحللين عما إذا كان المشاهير مثل الملياردير إيلون ماسك والنجمة تايلور سويفت، الذين أعلنوا دعمهم لترامب وهاريس على التوالي، سيتركون الأثر ذاته الذي تركه سيناترا وآخرون، أم أن تأثيرهم على خيارات الناخبين سيكون ضئيلا.
في دراسة جديدة أجراها مركز “آش للحكامة الديمقراطية والابتكار” التابع لجامعة هارفارد، تم تقديم بعض الإجابات حول هذا التساؤل. إذ أظهرت أن المشاهير لا يقتصرون على إثارة الضجة الإعلامية عبر الإنترنت، بل يمكنهم فعلي ا التأثير في الانتخابات، خاصة في صفوف الشباب.
في تصريح لقناة “اي بي سي نيوز”، أشارت آشلي سبيلين، التي أنجزت الدراسة، إلى انخفاض مستوى ثقة الناخبين الشباب في العديد من القادة والمؤسسات، بما في ذلك وسائل الإعلام التقليدية، “لكن المشاهير غالبا ما يمثلون استثناء في هذا السياق”، موضحة أن هناك أدلة “قاطعة” على قدرة هؤلاء النجوم على تعزيز المشاركة المدنية وتغيير نتائج استطلاعات الرأي.
وفقا للدراسة، فإن المشاهير “في موقع ممتاز لتمكين الأمريكيين العاديين”، مشيرة إلى أن معدلات التسجيل الإلكتروني للناخبين والعمل التطوعي في الانتخابات ارتفعت عندما قام أحد المشاهير بالترويج لهذه الأنشطة.
ولتوضيح هذا التوجه، تبرز سبيلين أن الجيلين “Z” و”Y” يقضون في المتوسط 180 و157 دقيقة يوميا على وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت مصدرهم الرئيسي للمعلومات، وهو أيضا الفضاء الذي ينشط فيه المشاهير.
في سنة 2018، حثت تايلور سويفت معجبيها عبر منشور بسيط على إنستغرام على التسجيل للتصويت، فكانت النتيجة تسجيل أكثر من 250 ألف ناخب جديد في غضون 72 ساعة، وفقا لشبكة “اي بي سي نيوز”.
ورغم نتائج هذه الدراسة، يقلل بعض المراقبين من تأثير المشاهير الذين يمارسون ما وصفوه بـ “اللعبة ذات الحدين”.
يرى مارك هارفي، مؤلف كتاب حول تأثير المشاهير في عالم السياسة، أن “هناك دائما خطر عندما يدخل النجوم عالم السياسة والانتخابات. فالانحياز إلى أحد الأطراف قد يؤدي إلى نفور جزء من جمهورهم”.
وبرأي هذا الخبير، الذي لا يستبعد وجود تأثير سياسي لبعض الشخصيات العامة، فمن الصعب قياس مدى تأثيرهم الكامل في فترة الانتخابات.
فباستثناء تأثير “أوبرا” في سنة 2008، الذي ساهم في جمع ما يقارب مليون صوت لصالح باراك أوباما في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية ضد هيلاري كلينتون، يعتقد هارفي أن تأثير المشاهير على خيارات الناخبين لا يزال نسبيا ويصعب تحديده بشكل دقيق.