المحيط: رهان بيئي واقتصادي بين صراع المصالح والعدالة المناخية

يشكل المؤتمر العالمي الثالث حول المحيط، المنعقد بمدينة نيس الفرنسية من 9 إلى 13 يونيو، لحظة دولية بارزة في ظل السياق العالمي المضطرب بيئيا وسياسيا.

وأكد عبدالسلام الصديقي، المحلل الاقتصادي والوزير السابق، أن هذا الحدث يكتسي أهمية استثنائية، سواء من خلال طبيعة القضايا المطروحة أو رمزية الرئاسة المشتركة للقمة الموازية “إفريقيا من أجل المحيط” بين الرئيس الفرنسي وصاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء، ممثلة لجلالة الملك محمد السادس، والتي توجت برسالة ملكية وازنة وجهت للمشاركين.

في عالم تتراجع فيه الالتزامات البيئية، وتتصاعد فيه النزعات المشككة في التغير المناخي، أوضح الصديقي، أن هذه القمة تبرز كمنصة لحشد الإرادة السياسية والوعي الجماعي تجاه المحيط باعتباره نظاما بيئيا حيويا وموردا مشتركا.

ولفت الصديقي، أن المؤتمر لا يفرض التزامات قانونية أو أرقاما دقيقة على الدول، إلا أن رمزيته التحسيسية والتعبوية تبقى حاسمة.

المحيط.. نظام حيوي تحت التهديد

وأضاف الصديقي، أن معطيات الأمم المتحدة، تشير إلى أن 70% من سطح الأرض مغطى بالمحيطات، وهي موطن لأكثر من 3 ملايين نوع من الكائنات، وتؤمن الغذاء لثلاثة مليارات شخص، فيما يعيش منها نحو 800 مليون شخص. والأهم من ذلك، أن المحيطات تمتص 30% من انبعاثات غازات الدفيئة، و90% من الفائض الحراري الناتج عنها.

لكن هذا النظام البيئي يتعرض لهجمة غير مسبوقة من التلوث البحري، وتسرب النفايات من مصادر حضرية وصناعية وزراعية. وحدها النفايات البلاستيكية تبلغ نحو 11 مليون طن سنويًا، مرشحة للارتفاع إلى 30 مليون طن في أفق 2040، أي ما يعادل 50 كلغ لكل متر من الشواطئ العالمية.

قاع البحر.. أطماع اقتصادية وخطر بيئي

وتابع، أنه في الوقت الذي تطالب فيه الأمم بحماية البحار كتراث مشترك، تنطلق قوى كبرى نحو استغلالها، كما تجسد ذلك سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي وقع في مارس الماضي على مرسوم يسمح باستخراج المعادن من أعماق البحار الدولية خارج السيادة الأمريكية. ووفق تقديرات البيت الأبيض، فإن استغلال هذه الثروات قد يدر أرباحًا بـ300 مليار دولار ويوفر 100 ألف فرصة عمل خلال عقد من الزمن.

غير أن هذا السباق المحموم نحو “ذهب الأعماق” يشكل تهديدا حقيقيا للأنظمة البيئية الهشة. إذ لا زالت 99% من قاع البحر غير مستكشفة، لكنها تحتوي على معادن أساسية للانتقال الطاقي والرقمي، كالكوبالت والنيكل والنحاس، مما يغذي شهية الشركات والدول الطامحة للهيمنة الاقتصادية، على حساب التوازن البيئي.

صراع بين الاقتصاد الإيكولوجي والرأسمالية المفترسة

ما يحدث اليوم في المحيطات، وفق الصديقي، ليس فقط استنزافا لمورد طبيعي، بل هو وجه من وجوه الصراع الجيوسياسي بين منطق التنمية المستدامة ومنطق الاستغلال الجشع. فبينما تسعى بعض الدول إلى حماية الموارد وفق منطق العدالة المناخية، تنخرط قوى أخرى في سباق أحادي لاحتكار الثروات.

وزاد، أن قمة نيس تأتي في هذا السياق لمحاولة إعادة الاعتبار للعلم والتعددية، وتقديم إجابات جماعية.

وفي هذا الإطار، جاءت الرسالة الملكية، حسب الصديقي، لتؤكد أن حماية المحيط لا تتم فقط بالإعلانات السياسية، بل ببلورة رؤية جماعية تشاركية وعادلة، وخاصة من طرف إفريقيا التي تطمح إلى تحسين سلاسل القيمة البحرية، وتأمين طرقها التجارية، وضمان نصيب منصف من الثروة البحرية العالمية.

المحيط لم يعد مجرد فضاء طبيعي بعيد، بل صار قلب المعركة البيئية والاقتصادية المقبلة. ومستقبل البشرية سيكون رهينا بقدرتنا على حماية هذا التراث المشترك، وتدبيره بشكل مسؤول، عادل، ومستدام.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts