طرد جماعي للصحافيين في شبكة beIN Sports : تحول رقمي أم ضغط اقتصادي؟

bein

تشهد شبكة beIN Sports القطرية حاليًا أزمة غير مسبوقة من طرد جماعي لصحافيين ومسؤولين، إذ طالت مئات الموظفين في مختلف الأقسام والمستويات الوظيفية. تترافق هذه التصريحات مع حالات إغلاق مكاتب إقليمية، واستقالة أقسام إعلامية تقليدية، وهو ما يطرح التساؤل حول العلاقة بين هذا الزلزال التنظيمي والتحوّل الرقمي، مقابل الضغوط المالية والتحديات المؤسسية.

في البداية، أعلنت مصادر مطلعة في الدوحة أن الشبكة أنهت عقود نحو 200 موظف من جنسيات مختلفة، بينهم صحفيون ومخرجو برامج ومنتجون وفنيو استوديو وفنيو صيانة ومصورون. وقد كانت الجنسيات المغربية والجزائرية والتونسية من الأكثر تضررًا خلال هذه المرحلة، مع تسريح 12 مصورًا مغربيًا دفعة واحدة.

ولم تقتصر الأسماء المتأثرة على الطاقم الفني فحسب، بل شملت أيضًا إعلاميين بارزين مثل المذيعة الجزائرية ليلى سماتي، التي كانت من الدعائم المحورية في تأسيس قناة الجزيرة الرياضية، إلى جانب المذيع التونسي طارق ذياب، والإعلامي المغربي الكبير محمد عمور، مدير قناة beIN الإخبارية، والإعلاميين الليبي مهند الجالي، والتونسي مهيب بن شويخة، والمصري علي رياح. وقررت الشبكة إغلاق عدة مكاتب إقليمية منها في العراق والأردن وعُمان؛ بينما اقتصر دور مكتب القاهرة في مصر على الصحفي عمرو فهمي كمراسل وحيد. تشير هذه الإجراءات إلى تركيز جديد في الهيكل المؤسسي، يهدف إلى اعتماد أستوديو مركزي بديلًا عن عدة استوديوهات متناثرة، سواء في التغطية أو التقارير الإخبارية، في إطار التحوّل الرقمي.

في السياق نفسه، تأتي التسريحات الأخيرة ضمن استراتيجية أعيد فيها هيكلة الشبكة، بحيث تحوِل تركيزها نحو تقديم بث مباشر حصري للمباريات والفعاليات الرياضية عبر المنصات الرقمية، دون الإبقاء على أقسام متخصصة في الرياضات الفردية أو الأخبار التقليدية. هذه الخطوة تمهد لإطلاق محتوى عبر المنصات الإلكترونية بنمط direct-to-consumer، يجمع بين البث المباشر ومواد تحليلية قصيرة مغرقة في الرقمية.

لكن هذه التحوّلات ليست وليدة اللحظة، بل هي فسحة زمنية امتدت لأعوام، بدأت من ضغوط القرصنة الإلكترونية التي سببت أزمة مالية كبرى لـ beIN Sports. إذ كشفت تقارير أن شبكة “BeoutQ” قضت على جزء كبير من حصيلة beIN، حتى وصفت الخسائر بـ “مليارات الدولارات” في غضون أشهر، ما شل مالية الشبكة وأجبرها على تقليص عدد موظفيها بشكل جذري. ثم جاءت جائحة كوفيد-19 لتزيد الطين بلة؛ فقد اضطرت الشبكة في عام 2019 إلى تسريح قرابة 300 موظف، أي ما يعادل 18٪ من قوتها العاملة، ثم حاربها الوباء بتقليص إضافي تجاوز 100 وظيفة في عام 2020 بسبب تراجع الأنشطة الرياضية عالميّاً. وقد تراكمت الضغوط المالية إلى درجة عدم قدرة beIN على سداد دفعة أولى من المستحقات التي تبلغ 98.5 مليون يورو للدوري الفرنسي، ما أثار نزاعًا مع الأندية الفرنسية وأشاع حالة من القلق داخل سوق الإعلام الرياضي الدولي.

ورغم التراجع الواضح في عدد الموظفين، إلا أن beIN لم تتخلَّ عن بعض الشخصيات الإعلامية الرئيسية، حيث جددت عقودًا للمعلق المقيت الجزائري حفيظ الدراجي والمصري علي محمد علي، وهو ما يظهر أن الشبكة لا تزال تراهن على وجود قاعدة صوتية قوية تُعزز البث الرقمي. أما في استراتيجيتها العامة، فيبدو أنها تتجه إلى نموذج يجمع بين تقليل الهدر التشغيلي وتحويل التدفق المالي نحو الرقمنة والبث المباشر.

beIN Sports والتطور الرقمي

ومع سعي beIN للتكيّف، تواجه الإدارة تحديًا كبيرًا يتمثل بإعادة بناء الثقة داخل كادرها الإعلامي، وإعادة هيكلة ثقافتها المؤسسية. فقرار الإعتماد على أستوديو موحّد وتطبيق منتجات رقمية هو اتجاه استراتيجي مشابه لتوجهات شركات إعلام عالمية مثل DAZN، CNN، وغيرها من المؤسسات التي اتجهت نحو دمج المحتوى التلفزيوني مع الرقمية، وتخفيف الاعتماد على الإنتاج التلفزيوني التقليدي. وقد واجهت بدائل أخرى في المشهد الإعلامي مثل CNN التي قلصت 200 وظيفة “من التلفزيون” ووجهّت استثمارها نحو القسم الرقمي، كجزء من خطة لإعادة التركيز على إعلام عالمي رقمي الأفق بحلول عام 2030 .

في المقابل، تمثل هذه التحوّلات جرس إنذار لصناعة الإعلام الرياضي في العالم العربي، إذ أثبتت beIN قوة تأثير الرقمنة، لكنها في الوقت ذاته كشفت هشاشة الاعتماد على نموذج يتضمن موظفين بأعداد كبيرة ومكاتب منتشرة جغرافيًّا. السؤال المحوري الآن: هل ستستمر beIN في فرض هيمنتها على السوق الرقمي الرياضي العربي، بما تملكه من حقوق تجارية ضخمة وتنفيذ بث مباشر عبر beIN CONNECT، أم أن الفجوة التي خلقتها التسريحات قد تفتح المجال لظهور جهات إعلامية محلية أو إقليمية جديدة تملأ الفراغ؟

أما على الصعيد السياسي، فإن هذه التحوّلات ترمز إلى تغيير نوعي في المشهد الإعلامي العربي تحت ضغط العولمة والاقتصاد الرقمي، وتحاكي نموذجًا دوليًّا قائمًا على تقليل البنية التحتية الثقيلة والتركيز على المنصات الناشئة، بل والتعويل على الذكاء الاصطناعي والبث عالي التقنية. وهي دعوة مفتوحة لشبكات عربية أخرى للاستثمار في المحتوى الرقمي.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts