كثّفت إسرائيل، مساء الاثنين 23 يونيو 2025، ضرباتها الجوية على العاصمة الإيرانية طهران، مستهدفة مقار للحرس الثوري الإيراني وسجن إيوين الشهير، وذلك في اليوم الحادي عشر من الحرب الجارية بين الطرفين.
ودعت السلطات الإسرائيلية سكان طهران إلى الابتعاد عن القواعد والمواقع العسكرية والأمنية، تحسباً لاستمرار الهجمات في الأيام المقبلة.
وجاءت هذه التطورات غداة غارات أميركية عنيفة استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية، فيما أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب “ما زال مهتماً بالخيار الدبلوماسي” مع إيران رغم التصعيد العسكري. وفي المقابل، توعّدت إيران بأن تكون عواقب الضربات الأميركية “وخيمة”.
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن جيش الاحتلال وجّه “ضربات غير مسبوقة” ضد أهداف تابعة للنظام الإيراني “وأجهزته القمعية”، شملت سجن إيوين والمقر العام للأمن الداخلي التابع للحرس الثوري، إضافة إلى المقر العام لقوات الباسيج.
وأكدت وزارة العدل الإيرانية تضرّر أجزاء من سجن إيوين، الذي يضم بين جدرانه عدداً من السجناء الغربيين والمعتقلين السياسيين والمعارضين. من جانبه، عبّر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، في منشور على منصة “إكس”، عن استنكاره للهجوم الذي “عرّض مواطنينا للخطر”، موضحاً في الوقت نفسه أن السجناء الفرنسيين سيسيل كوهلر وجاك باريس لم يتعرضا لأي أذى.
وأطلق الجيش الإسرائيلي “رسالة تحذيرية” إلى سكان طهران، دعاهم فيها إلى الابتعاد عن المنشآت العسكرية ومصانع إنتاج الأسلحة ومقرات الأمن، مشيراً إلى أن الهجمات الجوية ستستمر في الأيام القادمة. وقال المتحدث باسم الجيش، أفيخاي أدرعي، إن “الهجمات ستطال أهدافاً عسكرية في منطقة طهران”، داعياً السكان إلى اتخاذ الحيطة.
في المقابل، أطلقت إيران ثلاث دفعات من الصواريخ الباليستية نحو إسرائيل، بحسب ما أعلنه الجيش الإسرائيلي. وقد دوت صافرات الإنذار في مناطق مختلفة داخل إسرائيل، وشوهد السكان وهم يلجؤون إلى الملاجئ. وسمع دوي انفجارات في القدس، بحسب مراسلي وكالة “فرانس برس”، فيما أعلنت شركة الكهرباء الإسرائيلية عن تضرر منشأة استراتيجية في الجنوب، نتيجة سقوط أحد الصواريخ بالقرب منها.
وفي سياق متصل، أفادت وكالة “تسنيم” الإيرانية أن إسرائيل استهدفت موقع “فوردو” النووي، الذي يقع في منطقة جبلية جنوب طهران. وكانت الولايات المتحدة قد شنّت غارات، فجر الأحد، على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية.
وتوعد المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، إبراهيم ذو الفقاري، بـ”رد قاسٍ وتوسيع نطاق الأهداف”، مهدداً بتوسيع الحرب في المنطقة. وقال ذو الفقاري، في تسجيل مصوّر بثه التلفزيون الرسمي، إن “مقاتلي الإسلام سيلحقون بالعدو عواقب وخيمة لا يمكن توقعها”.
وأكد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم الأحد، أن “جميع المواقع النووية الإيرانية تعرضت لأضرار جسيمة”، مستنداً إلى صور الأقمار الصناعية. ومع ذلك، أفادت مصادر أميركية وإسرائيلية أن تقييم الأضرار لا يزال جارياً، فيما رجّح خبراء أنه تم نقل المواد النووية من المواقع المستهدفة قبل الضربات.
من جهته، شدّد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، على أهمية السماح للمفتشين بالعودة إلى المنشآت النووية لتقييم الوضع والكشف عن مخزون اليورانيوم، خصوصاً المخصب بنسبة 60%.
وأشار غروسي إلى أن إيران أبلغته في 13 يونيو الجاري بأنها اتخذت “تدابير خاصة لحماية المعدات والمواد النووية”.
وفي السياق ذاته، أكد علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، أن بلاده لا تزال تحتفظ بمخزونات من اليورانيوم المخصب، مشدداً على أن إيران لا تسعى إلى تصنيع سلاح نووي.
وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران تخصّب اليورانيوم بنسبة 60%، فيما يتطلب تصنيع قنبلة نووية تخصيباً بنسبة 90%.
وبدأت إسرائيل هجومها العسكري على إيران في 13 يونيو بهدف معلن هو “منع طهران من تطوير قنبلة نووية”، وقد شملت الضربات مئات المواقع العسكرية والمنشآت المرتبطة بالبرنامج النووي، وأسفرت عن مقتل عدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين.
وتردّ إيران على الهجمات بإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة، تمكنت منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي من اعتراض معظمها، لكن بعضها أصاب مواقع إسرائيلية وتسبب بأضرار جسيمة.
ووفق الحصيلة الرسمية الإيرانية، فقد خلفت الحرب حتى الآن 400 قتيل و3056 جريحاً في إيران، غالبيتهم من المدنيين، فيما أسفرت الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل عن مقتل 25 شخصاً.
وعلى الصعيد الدولي، دان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الضربات الأميركية على إيران، معتبراً إياها “عدواناً غير مبرر”، وأكد خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في موسكو أن بلاده “تسعى لدعم الشعب الإيراني”.
وكان عراقجي قد صرح بأن الولايات المتحدة وإسرائيل “تجاوزتا خطاً أحمر كبيراً”، محذّراً من تبعات التصعيد.
وفي منشور عبر منصة “تروث سوشال”، ألمح ترامب إلى احتمال “تغيير النظام” في إيران، قائلاً: “إذا كان النظام الحالي غير قادر على جعل إيران عظيمة مجدداً، فلم لا يكون هناك تغيير للنظام؟”.
من جهته، حذّر علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى، من أن القواعد التي استخدمتها القوات الأميركية لشن هجماتها “أصبحت أهدافاً مشروعة”.
ومع تصاعد التوتر، دعت واشنطن رعاياها في مختلف أنحاء العالم إلى التزام الحذر، وطلبت السفارة الأميركية في قطر من المواطنين الاحتماء في أماكنهم. وسُمع دوي انفجارات في الدوحة مساء الاثنين، وأعلنت السلطات القطرية تعليق الرحلات الجوية دون توضيح الأسباب.
وتستضيف قطر قاعدة العديد الجوية، وهي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في منطقة الخليج، وتقع على بُعد 190 كيلومتراً فقط جنوب إيران.
أما في البحرين، حيث يوجد مقر الأسطول الخامس الأميركي، فأفادت السفارة الأميركية بنقل بعض موظفيها للعمل عن بُعد كإجراء احترازي.
وتزايدت المخاوف الدولية من أن تقدم إيران على إغلاق مضيق هرمز، أحد أهم ممرات النفط في العالم، ما قد يتسبب في أزمة اقتصادية عالمية. ودعت الصين المجتمع الدولي إلى التحرك لتفادي تأثيرات الحرب على التجارة العالمية، مشددة على أهمية المضيق.
وفي المقابل، طالب وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، بكين بمساعدة واشنطن في ردع طهران عن إغلاق المضيق.
وحذر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من “تداعيات هائلة” إذا أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز، واعتبر الضربات الأميركية “غير شرعية”، لكنه أكد رفض فرنسا لحيازة طهران سلاحاً نووياً.
أما مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، فوصفت أي تحرك إيراني لإغلاق المضيق بأنه “خطير جداً”، مجددة الدعوة إلى خفض التصعيد والعودة للمسار الدبلوماسي.