مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في عام 2026، يتجه المشهد السياسي في المغرب نحو مزيد من التغيرات المعقدة، حيث لا تلوح في الأفق أي مؤشرات على هيمنة حزب بعينه على الساحة، في ظل تشتت الأصوات وتزايد عدد المترددين والمقاطعين. الأحزاب السياسية التقليدية تبدو منشغلة بإعادة ترتيب أوراقها، بينما لا تزال ثقة الناخبين ضعيفة، مما يجعل من الاستحقاق الانتخابي المقبل اختبارًا حقيقيًا لمدى تطور النظام الديمقراطي المغربي وقدرته على تجديد نفسه.
تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن حزب الاستقلال يتصدر نوايا التصويت بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 4%، متبوعًا بحزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية بنسبة 3.8% لكل منهما، ثم حزب التجمع الوطني للأحرار بنسبة 3.2%. إلا أن ما يثير القلق أكثر هو أن أكثر من ثلث الناخبين لم يحسموا موقفهم بعد، في حين أعربت نسبة مماثلة عن نيتها في مقاطعة الانتخابات، وهي معطيات تعكس حجم التحديات التي تواجهها الأحزاب في استعادة ثقة الشارع.
هذا التشتت في نوايا التصويت يعود بدرجة كبيرة إلى ضعف الانتماء الحزبي، حيث أظهرت المؤشرات أن قرابة 81% من المواطنين لا يشعرون بانتماء فعلي لأي تنظيم سياسي. هذه النسبة المرتفعة توحي بأن مواقف الناخبين قابلة للتغيير بسهولة تبعًا لتطورات الحملات الانتخابية أو الظروف الاجتماعية والاقتصادية، مما يمنح هامشًا كبيرًا للتحولات السياسية في الأشهر القليلة التي تسبق موعد الاقتراع. ويبدو أن الناخب المغربي أصبح أكثر براغماتية، مفضلاً تقييم الأحزاب بناءً على برامجها ووعودها الواقعية لا على الخطابات الأيديولوجية أو الانتماءات التقليدية.
في هذا السياق، تعيش الأحزاب المكونة للحكومة الحالية حالة من التنافس الداخلي، رغم تحالفها القائم. كل من حزب الاستقلال، وحزب الأصالة والمعاصرة، والتجمع الوطني للأحرار يسعى إلى تعزيز موقعه والانفراد بالصدارة، ما يؤدي إلى توترات بين الحلفاء ويطرح تساؤلات حول مستقبل التحالف الحكومي بعد الانتخابات. في المقابل، تبدو أحزاب المعارضة عاجزة حتى الآن عن تقديم بديل حقيقي أو قيادة حملة فعالة، رغم بعض المحاولات لإعادة تنظيم الصفوف.
على الضفة الأخرى، يسعى حزب العدالة والتنمية إلى استعادة مكانته السياسية بعد التراجع الكبير الذي تعرض له في انتخابات 2021. وقد عاد عبد الإله بنكيران إلى قيادة الحزب بخطاب ديني وشعبوي يركز على القيم والرموز، مثل القضية الفلسطينية، إلا أن المراقبين يرون أن هذا الخطاب لم يعد يجد الصدى نفسه لدى قاعدة الناخبين، الذين أصبحوا أكثر تركيزًا على القضايا المعيشية والاقتصادية، مثل الشغل والصحة والتعليم.
في ظل هذه المعطيات، من المرجح أن تكون نتائج انتخابات 2026 مفتوحة على عدة سيناريوهات، من بينها إعادة تشكيل التحالفات السياسية، سواء باستمرار التحالف الحكومي الحالي بصيغة معدلة أو دخول قوى جديدة مثل الاتحاد الاشتراكي أو الحركة الشعبية في تشكيل الحكومة المقبلة. كما قد نشهد بروز تحالفات مضادة تجمع بين الأحزاب غير المشاركة حاليًا في الحكومة بهدف خلق توازن جديد داخل البرلمان.
من جهة أخرى، يظل العامل الحاسم في هذه الانتخابات هو نسبة المشاركة الشعبية. فارتفاع نسبة العزوف أو التردد يعكس أزمة ثقة حقيقية في العمل السياسي، لكنه في الوقت ذاته يفتح المجال أمام الأحزاب التي تستطيع تقديم خطاب واقعي وبرامج تنموية قابلة للتحقيق، لاستقطاب كتلة ناخبة غير مؤطرة بعد. ويتوقف الكثير على قدرة هذه الأحزاب في التواصل مع الشباب والنساء، خاصة في المناطق القروية، حيث تتراجع نسبة المشاركة بشكل واضح.
إن انتخابات 2026 في المغرب لن تكون مجرد محطة دورية في المسار السياسي، بل لحظة فارقة قد تعيد تشكيل الخريطة الحزبية وتفرض نمطًا جديدًا في تدبير الشأن العام. وبين تشتت الأصوات، وتنافس الأحزاب، وتردد الناخبين، يبدو أن النتائج ستظل رهينة بالتحولات الميدانية حتى آخر لحظة، ما يجعل من هذه الانتخابات واحدة من أكثر الاستحقاقات غموضًا وتنافسية في تاريخ المغرب الحديث.