تفاقمت الأزمة السياسية في فرنسا، بشكل غير مسبوق، بعد استقالة رئيس الحكومة الجديد سيباستيان لوكورنو من منصبه، بعد أقل من 24 ساعة على إعلان تشكيل حكومته، حيث قدّم استقالته الإثنين إلى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي قبلها، رسميًا، في خطوة تعكس عمق المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد منذ حلّ البرلمان في يوليوز 2024.
في تصريح مقتضب عقب استقالته، وجّه لوكورنو انتقادات حادة لما وصفه بـ”المصالح الحزبية الضيقة” التي أدت إلى انهيار حكومته بعد ساعات من الإعلان عنها، في مشهد يُبرز هشاشة التوازن السياسي القائم منذ الانتخابات التشريعية لعام 2024، والتي أفرزت برلمانًا منقسمًا بين ثلاث كتل متخاصمة: تحالف ماكرون الوسطي، واليمين المتطرف بزعامة التجمع الوطني، واليسار ضمن جبهة الاتحاد الشعبي.
وكان لوكورنو، الذي عُيّن في 9 شتنبر 2025 خلفًا لفرانسوا بايرو، خامس رئيس وزراء لماكرون خلال عامين فقط، بعد أن سقطت حكومتا بايرو وميشال بارنييه نتيجة الصراعات الحزبية حول مشروع ميزانية تقشفية مثيرة للجدل. وقد هدفت هذه الميزانية إلى خفض الإنفاق العام امتثالاً لمتطلبات الاتحاد الأوروبي، لكنها واجهت معارضة قوية من مختلف الكتل البرلمانية، ما أدى إلى تصويت الجمعية الوطنية بحجب الثقة عن الحكومة.
التشكيلة الحكومية التي أعلنها لوكورنو مساء الأحد، ضمّت وجوهًا مألوفة من الحكومات السابقة، أبرزهم برونو لومير الذي انتقل من وزارة الاقتصاد إلى وزارة الجيوش، ورولان لوسكور الذي تولى الاقتصاد، وجان نويل بارو للخارجية، وبرونو روتايو للداخلية، بينما احتفظت رشيدة داتي بمنصبها كوزيرة للثقافة رغم ملاحقتها قضائيًا في قضايا فساد، واستمر جيرالد دارمانان وزيرًا للعدل.
غير أن هذه التشكيلة لم تلقَ ترحيبًا من أي طرف، إذ رأت فيها المعارضة استمرارًا لسياسات “العجز السياسي” لماكرون، واتهمتها بتدوير نفس الوجوه دون أي تجديد حقيقي. أما بعض الحلفاء، فاعتبروا الحكومة الجديدة يمينية أكثر من اللازم، ما زاد من حدة الخلافات داخل الأغلبية نفسها.
وتأتي هذه الاستقالة في وقت تواجه فيه فرنسا أزمة اقتصادية ومالية خانقة، حيث تجاوز الدين العام مستويات قياسية ليصبح الثالث الأعلى في الاتحاد الأوروبي بعد اليونان وإيطاليا، فيما بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي ضعف الحد المسموح به أوروبيًا (60%).
ويرى مراقبون أن استقالة لوكورنو تمثل ضربة قوية للرئيس ماكرون، الذي يبدو عاجزًا عن تحقيق الاستقرار السياسي خلال ولايته الثانية رغم تعدد محاولاته لإعادة هيكلة الحكومة. كما يُتوقع أن تزيد هذه الأزمة من حالة الشلل التشريعي التي يعيشها البرلمان، وتُضعف قدرة الحكومة المقبلة على تمرير الإصلاحات أو إعداد ميزانية جديدة للعام القادم.
وتشير مصادر سياسية إلى أن الإليزيه قد يتجه نحو تعيين شخصية تكنوقراطية أو توافقية لرئاسة الحكومة المقبلة، لتفادي مزيد من الانقسام داخل البرلمان، في حين تزداد الدعوات لحلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة باعتبارها المخرج الأخير من الأزمة المتفاقمة.