من بين كل الجوائز التي يمنحها المركز السينمائي المغربي، ضمن المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، تبقى جائزة الإنتاج أغربها وأكثرها إثارة للتساؤل. فالعالم بأسره يكرّم المخرجين، والكتاب، والممثلين، والتقنيين، وحتى المصورين، لكن أن تمنح جائزة للإنتاج بناء على مشاهدة فيلم؟ فذلك أشبه بمنح جائزة للهندسة انطلاقا من شكل المبنى الخارجي، دون الاطلاع على التصاميم ولا معرفة التكاليف ولا ظروف الإنجاز.
ولابد أن الذي سن هذا التقليد الكريه لا يعرف السينما حق المعرفة، أو أعمته مصلحة ما. إذ كيف يمكن للجنة التحكيم أن تقيم عمل المنتج، وهي لا تعرف تفاصيل الميزانية، ولا مسار التصوير، ولا التحديات التي واجهها الفريق؟
فالإنتاج ليس مشهدا جميلا أو أداء متقنا، بل هو تخطيط، وإدارة، وتدبير، ومخاطرة، وتوازن بين الطموح والإمكانيات ومن ثم، لا يمكن تقييمه إلا من خلال ملفات تقنية ومالية دقيقة، لا من قاعة عرض مظلمة.
الجميع في الوسط السينمائي المغربي يعرف قصة هذه الجائزة “العجيبة” التي رأت النور في عهد مدير المركز السينمائي المغربي صارم الحق الفاسي الفهري. ولدت فكرة غامضة، في سياق لا أحد فهمه تماما. ولأن المهرجان الوطني للفيلم ليس فقط احتفالا، وسجادا أحمر، بل لحظة تقييم للسياسات السينمائية، فإن السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم بصوت عالٍ هو:
هل يمتلك المدير الجديد للمركز السينمائي المغربي، رضى بنجلون، الشجاعة لإصلاح هذا الخلل؟ هل يستطيع أن يقول بوضوح وقد اقترب موعد المهرجان الوطني: هذه الجائزة لا معنى لها، فلنحذفها، ولنوجّه مواردها لدعم جوائز ذات قيمة حقيقية، مادية ومعنوية؟ فما تحتاجه السينما المغربية اليوم ليس تعدد الجوائز، بل تجويدها. نحتاج إلى جوائز تحفز الكتّاب على الإبداع، تكرم المنتجين الحقيقيين الذين يغامرون في صمت، وتمنح المخرجين دفعة للاستمرار. أما “جائزة الإنتاج” بالشكل الحالي، فهي تكرّس سوء الفهم حول طبيعة العمل السينمائي، وتسيء إلى مهنة المنتج بدل أن تكرمها.
إن حذف هذه الجائزة لن يكون خسارة لأحد، بل إشارة رمزية قوية بأن مرحلة جديدة بدأت، مرحلة فيها الجرأة على مراجعة الذات، والاعتراف بالأخطاء. فلا يمكن أن نطمح إلى صناعة سينما ناضجة ونحن نكافئ الأوهام.
فالمشكل ليس في الجائزة بحد ذاتها، بل فيما تُجسّده من عقلية: عقلية “إضافة” دون تفكير، و”تكريم” بلا معيار، و”استمرار” بلا مراجعة.
ربما آن الأوان لنقولها بصراحة: كرّموا الإبداع لا العبث، كافئوا الجهد لا الاسم، واحترموا جوهر السينما… لا قشرتها.