وفاة السياسي والمناضل اليساري مصطفى البراهمة

وفاة السياسي والمناضل اليساري مصطفى البراهمة

فقد المشهد السياسي المغربي، الاثنين 13 أكتوبر 2025، أحد أبرز رموزه اليسارية، بوفاة المناضل والمفكر مصطفى البراهمة، الأمين العام السابق لحزب النهج الديمقراطي، عن عمر ناهز السبعين عاما، بعد صراع طويل مع المرض.

رحيل مصطفى البراهمة لا يمثل فقط فقدان شخصية حزبية، بل غياب صوت من أصوات اليسار الجذري الذي حمل، لأزيد من أربعة عقود، شعلة النضال الماركسي من داخل المغرب.

ولد مصطفى البراهمة سنة 1955 بمدينة برشيد، وتكون مهنيا كمهندس، قبل أن يلتحق بوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، حيث شغل مناصب إدارية مهمة، من بينها مدير جهوي بجهة الدار البيضاء الكبرى، ثم مفتش جهوي بأكادير.

إلى جانب مساره المهني، ظل البراهمة مناضلا صلبا داخل النقابات، خاصة في صفوف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث دافع عن حقوق الموظفين والعدالة الاجتماعية، وساهم في محطات الحوار الاجتماعي من موقعه كفاعل نقابي ملتزم.

لكن مسار البراهمة لم يكن تقليديا. فقد انخرط مبكرا في الحركة اليسارية السرية خلال سبعينيات القرن الماضي، من خلال النقابة الوطنية للتلاميذ التابعة لليسار الجديد الماركسي اللينيني المغربي.

سرعان ما وجد نفسه داخل منظمة إلى الأمام، التي كانت من أبرز التنظيمات الماركسية الجذرية في المغرب خلال “سنوات الرصاص”.

سنة 1976، اعتقل للمرة الأولى بتهمة الانضمام إلى التنظيم والمسّ بأمن الدولة الداخلي، قبل أن يحكم عليه سنة 1985 بالسجن عشرين عاما بتهمة “المؤامرة ضد النظام”، بعدما كان من القيادات التي خلفت الجيل الأول من المعتقلين في قيادة المنظمة.

قضى البراهمة عشر سنوات من محكوميته قبل أن يشمله العفو الملكي العام سنة 1994، ليخرج من السجن أكثر قناعة بضرورة تحويل النضال السري إلى مشروع سياسي علني.

بعد عام واحد فقط، أسّس مع رفاقه حزب النهج الديمقراطي، الذي اعتبر الامتداد العلني لحركة إلى الأمام، ليصبح لاحقا أبرز الأحزاب الماركسية الجذرية في المغرب.

قاد البراهمة الحزب منذ سنة 2012، واستمر أمينا عاما لأكثر من عقد من الزمن، إلى غاية انعقاد المؤتمر الوطني الخامس في يوليوز 2022، الذي شهد انتخاب جمال براجع خلفا له، وتحوّل اسم الحزب إلى النهج العمالي الديمقراطي.

خلال فترة قيادته، حافظ الحزب على خطه المستقل، رافضا أي تحالفات انتخابية مع قوى يعتبرها مندمجة في “النسق الرسمي”، ومؤكدا على النضال الجماهيري كسبيل للتغيير الديمقراطي.

تميّز مصطفى البراهمة بمواقفه الجذرية في نقد السياسات العمومية، ودعمه للحركات الاجتماعية والاحتجاجية، من أبرزها حراك الريف، الذي اعتبره تعبيرا مشروعا عن مطالب العدالة الاجتماعية والمجالية.

كما ظل يدعو، في كتاباته وخطاباته، إلى توسيع الحريات العامة، وتكريس ديمقراطية فعلية تقوم على فصل حقيقي للسلط واستقلال القرار السياسي عن منطق التبعية.

ورغم معاناته مع المرض في سنواته الأخيرة، ظل المهندس والمناضل وفيا لشغفه العلمي والفكري، إذ ناقش أطروحته بالمعهد الوطني للتعمير والتهيئة، حيث جمع بين خبرة المهندس ودقة السياسي في فهم قضايا التهيئة والتنمية المجالية من منظور العدالة الاجتماعية.

برحيل مصطفى البراهمة، يفقد اليسار المغربي أحد أعمدته الفكرية والنضالية، ورمزا من رموز جيل آمن بأن التغيير الحقيقي لا يصنع من داخل المؤسسات فقط، بل من الميدان ومن بين صفوف الناس.

البراهمة رجل جمع بين صرامة المهندس، وشغف المثقف، وصلابة المناضل الذي ظلّ حتى آخر أيامه مؤمنا بقدرة الأفكار على مقاومة النسيان.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts