ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الأحد بالقصر الملكي بالرباط، مجلسا وزاريا هاما، خصص للتداول في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، والمصادقة على مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية والاتفاقيات الدولية، إلى جانب التعيين في مناصب عليا بالإدارة الترابية ومؤسسات الدولة.
وتميز هذا المجلس الوزاري بإعلان لائحة جديدة من التعيينات شملت 15 واليا وعاملا بعدد من الجهات والأقاليم، في خطوة تجسد حرص جلالته على تجديد النخب وتعزيز حكامة التدبير الترابي.
وتفضل جلالة الملك، وباقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من وزير الداخلية، بتعيين خطيب الهبيل واليا على جهة مراكش-آسفي وعاملا على عمالة مراكش، وخالد آيت الطالب واليا على جهة فاس-مكناس وعاملا على عمالة فاس، وامحمد عطفاوي واليا على جهة الشرق وعاملا على عمالة وجدة-أنجاد.
كما همّت التعيينات الجديدة كلا من: فؤاد حاجي (عامل إقليم الحسيمة)، حسن زيتوني (عامل إقليم أزيلال)، سيدي الصالح داحا (عامل إقليم الجديدة)، عبد الخالق مرزوقي (عامل عمالة مقاطعات الدار البيضاء-أنفا)، محمد علمي ودان (عامل إقليم زاكورة)، مصطفى المعزة (عامل إقليم الحوز)، رشيد بنشيخي (عامل إقليم تازة)، محمد الزهر (عامل عمالة إنزكان-آيت ملول)، محمد خلفاوي (عامل إقليم الفحص-أنجرة)، زكرياء حشلاف (عامل إقليم شفشاون)، عبد العزيز زروالي (عامل إقليم سيدي قاسم)، وعبد الكريم الغنامي (عامل إقليم تاونات).
كما وافق الملك، وباقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من وزيرة الاقتصاد والمالية، على تعيين طارق الصنهاجي رئيسا للهيئة المغربية لسوق الرساميل، خلفا لنزهة حيات، وذلك في إطار حرص المملكة على مواصلة إصلاح وتطوير المنظومة المالية بما يضمن الشفافية والفعالية في تدبير السوق الوطنية لرؤوس الأموال.
وخلال هذا المجلس، قدمت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، عرضا مفصلا حول الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي أُعدّ وفق التوجيهات الملكية السامية، خصوصا تلك الواردة في خطابي العرش وافتتاح السنة التشريعية.
وأبرزت الوزيرة أن الاقتصاد الوطني يتوقّع أن يحقق نموا بنسبة 4,8% هذه السنة، مدعوما بانتعاش الطلب الداخلي وتطور الأنشطة غير الفلاحية، مع تحكم واضح في معدلات التضخم (1,1% إلى غاية غشت 2025) وتقليص عجز الميزانية إلى حدود 3,5% من الناتج الداخلي الخام.
ويرتكز مشروع قانون المالية على أربع أولويات رئيسية:
أولا، توطيد المكتسبات الاقتصادية وتحفيز الاستثمار الخاص، الوطني والأجنبي، عبر تفعيل ميثاق الاستثمار وإطلاق مشاريع كبرى كعرض المغرب للهيدروجين الأخضر، مع دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وتشجيع تشغيل الشباب والنساء.
ثانيا، إطلاق الجيل الجديد من برامج التنمية المجالية، بالاعتماد على مقاربة تشاركية تعزز الجهوية المتقدمة والتضامن الترابي، مع التركيز على تنمية المناطق الهشة كالمناطق الجبلية والواحات والمراكز القروية الصاعدة.
ثالثا، مواصلة ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية من خلال تعميم الحماية الاجتماعية، ورفع الدعم المباشر إلى 4 ملايين أسرة، وزيادة الإعانات المخصصة للأطفال، وتوسيع برامج السكن والتقاعد والتأمين عن فقدان الشغل.
ورابعا، مواصلة الإصلاحات الهيكلية الكبرى للحفاظ على التوازنات المالية وتعزيز فعالية المؤسسات العمومية، إلى جانب تسريع إصلاح منظومة العدالة وتحديثها.
وصادق المجلس الوزاري على أربعة مشاريع قوانين تنظيمية، منها اثنان يتعلقان بمجلس النواب والأحزاب السياسية.
ويهدف مشروع قانون مجلس النواب إلى تخليق الحياة السياسية وضمان نزاهة الاستحقاقات التشريعية المقبلة، وتشجيع الشباب دون 35 سنة على المشاركة السياسية عبر دعم مالي يصل إلى 75% من مصاريف حملاتهم الانتخابية.
كما يخصص الدوائر الجهوية حصريا للنساء، تعزيزا لتمثيليتهن في البرلمان. أما مشروع قانون الأحزاب، فيسعى إلى تطوير الحكامة الداخلية وتعزيز الشفافية في التمويل، وتوسيع مشاركة النساء والشباب في تأسيس الأحزاب وتسييرها.
كما صادق المجلس على مشروعي قانونين تنظيميين يهمان الدفع بعدم دستورية القوانين والمسطرة الخاصة بالمحكمة الدستورية، بالإضافة إلى مشروعي مرسومين يخصان المجال العسكري، أحدهما يتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، والثاني بتنظيم المدرسة الملكية لمصلحة الصحة العسكرية وإنشاء مجلس للبحث العلمي بداخلها.
وفي الجانب الدبلوماسي، وافق المجلس على 14 اتفاقية دولية، عشر منها ثنائية وأربع متعددة الأطراف، شملت مجالات التعاون القضائي والعسكري والضمان الاجتماعي والخدمات الجوية، إضافة إلى اتفاقيات جديدة تعزز مكانة المغرب في إفريقيا والعالم، من أبرزها استضافة مقرين دائمين لكل من المنظمة الإفريقية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة واتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية الإفريقية.
ويأتي هذا المجلس الوزاري الجديد، الذي يندرج في إطار حرص جلالة الملك محمد السادس على مواصلة تتبع تنفيذ الإصلاحات الكبرى، ليؤكد إرادة الدولة في تسريع التحول الاقتصادي والاجتماعي، وتكريس الحكامة الترابية من خلال تجديد النخب وتعزيز فعالية المؤسسات المركزية والجهوية.