الصديقي: مشروع قانون المالية 2026 يكشف ميزانية غير عادلة

الصديقي: مشروع قانون المالية 2026 يكشف ميزانية غير عادلة

وصف الخبير الاقتصادي والوزير السابق عبد السلام الصديقي، مشروع قانون المالية لسنة 2026، في قراءة تحليلية، بأنه يعكس “ميزانية غير عادلة واقتصادا في مرحلة نقاهة”، معتبرا أن الأرقام المعلنة تخفي أكثر مما تظهر، وأن الحكومة تواصل إدارة مالية عمومية تعاني من اختلالات بنيوية تفاقم الفوارق الاجتماعية بدل أن تقلصها، رغم المؤشرات التي توحي بالتعافي التدريجي.

في مقاله التحليلي المعنون «مشروع قانون المالية 2026: ميزانية في طور التعافي»، يقدم الخبير الاقتصادي والوزير السابق عبدالسلام الصديقي قراءة معمقة لمشروع قانون المالية الجديد، محاولا تفكيك أرقامه، وقراءة دلالاته الاقتصادية والاجتماعية، في سياق سياسي وطني يصفه بـ”الهش والمضطرب”، وسط تحديات متراكمة واحتقان اجتماعي متنام، خاصة في صفوف الشباب.

يؤكد الصديقي منذ البداية أن مشروع قانون المالية لعام 2026 ليس كسابقيه، إذ يأتي في نهاية الولاية الحكومية الحالية التي يتوقع أن تسلم السلطة في شتنبر المقبل، ويعرض في سياق خاص بعد خطابين ملكيين حاسمين، الأول بمناسبة عيد العرش (29 يوليوز)، والثاني خلال افتتاح الدورة البرلمانية (10 أكتوبر). وهما خطابان تضمنا رسائل قوية تتعلق بالعدالة الاجتماعية، وبضرورة تجديد النموذج التنموي، وإعادة التوازن بين الدولة والمجتمع.

كما يلفت الصديقي إلى أن المشروع طرح في وقت تتزايد فيه الاحتجاجات الاجتماعية وانتفاضات الشباب الذين يشعرون بالإقصاء وضبابية المستقبل، وهو ما يجعل قراءة المشروع الاقتصادي لا تنفصل عن بعده الاجتماعي والسياسي، “إذ لا يجوز الاكتفاء بتقديس الأرقام”، كما يقول، بل ينبغي تحليلها في عمقها الحقيقي وطرح السؤال الجوهري: لمن تكتب هذه الميزانية؟ ولصالح من تدار؟

ميزانية غير عادلة

يرى الصديقي أن الأرقام المعلنة في مشروع قانون المالية تكشف عن ملامح ميزانية لا تزال بعيدة عن العدالة الاجتماعية.

فإجمالي النفقات يقدّر بـ 761,3 مليار درهم مقابل موارد تصل إلى 712,5 مليار درهم، موزعة بين 421,3 مليار درهم للميزانية العامة، و166,3 مليار درهم للحسابات الخصوصية للخزينة، إضافة إلى 123 مليار درهم من القروض المتوسطة والطويلة الأمد.

ويشرح الصديقي أن الميزانية العامة تتوزع على ثلاث فئات من النفقات: نفقات التسيير (التي تشمل أجور الموظفين وتكاليف الإدارة)، ونفقات الاستثمار (البنيات التحتية، المدارس، المستشفيات…)، ثم سداد فوائد الديون. أما نفقات الاستثمار، فهي الأقل مرونة، وتعتمد على ما يتبقى من الموارد، وعلى قدرة الدولة على الاقتراض داخليا أو خارجيا.

وفي تحليل لبنية الإيرادات، يشير الخبير إلى أن 40٪ من الموارد تأتي من الضرائب المباشرة (الضريبة على الدخل والشركات)، مقابل 44٪ من الضرائب غير المباشرة (الضريبة على القيمة المضافة، الرسوم الجمركية، الضرائب على الاستهلاك).

وهذه المعادلة في رأيه تؤكد أن العبء الضريبي يتحمله أساسا المواطن البسيط والطبقة الوسطى، بينما تستفيد الشركات الكبرى وأصحاب الثروات من إعفاءات وهدايا ضريبية. “بدلاً من أن تلعب الميزانية دورها في إعادة توزيع الثروة، فهي تساهم في تضخيم اللامساواة”، كما يقول الصديقي، مضيفا أن النظام الجبائي المغربي لا يزال غير منصف، رغم بعض الإصلاحات الجزئية.

إدارة جشعة وتناقض حكومي

في الجانب المتعلق بالنفقات، يبرز الصديقي تناقضا بين الخطاب الرسمي والممارسة. إذ بلغت نفقات التسيير 347,5 مليار درهم (أي 65,8٪ من الميزانية)، مقابل 136,1 مليار درهم للاستثمار، و44 مليار درهم لفوائد الدين.

والمفارقة أن نفقات الإدارة والتجهيزات الإدارية ارتفعت إلى 93,67 مليار درهم، أي بزيادة تفوق 16٪ عن السنة السابقة، رغم توجيهات رئيس الحكومة التي طالبت الوزراء بترشيد الإنفاق وتخفيض “نمط عيش الدولة”.

يصف الصديقي هذا الوضع بعبارة لاذعة: «العادات، وخاصة السيئة منها، يصعب تغييرها»، مشيرا إلى أن الدولة لا تزال تستهلك جزءا مهما من المال العام في النفقات الجارية بدل توجيهه إلى الاستثمار المنتج أو الخدمات الاجتماعية.

أما ميزانية التجهيز، ورغم حجمها المعلن، فهي وفق الصديقي «تبدو قوية على الورق فقط»، لأن ما يقارب ثلثها (44 مليار درهم) يُصرف في شكل منح ودعم للشركات، غالبا دون تقييم واضح لنجاعتها.

كما ينتقد ما يسميه بـ”الغموض المحيط” بهذه النفقات في الوثائق الرسمية لمشروع القانون، ما يطرح أسئلة حول الشفافية والمساءلة.

ميزانية في طور التعافي

ورغم انتقاداته الحادة، لا ينكر الصديقي وجود بعض المؤشرات الإيجابية، معتبرا أن الميزانية المغربية في طور التعافي البطيء.

فحسب قوله، يسجّل لأول مرة رصيد جاري إيجابي يبلغ 50 مليار درهم، وهو فارق بسيط لكنه “مشجع” بين الموارد والنفقات العادية.

غير أنه يربط هذا التطور بضرورة إطلاق إصلاح ضريبي حقيقي وإدماج القطاع غير المهيكل ضمن الاقتصاد الرسمي، بدل الاكتفاء بالحلول التقنية والجزئية.

فخ الدين العمومي

أخطر ما يشير إليه الصديقي هو تفاقم عبء الدين العمومي الذي يحد من هوامش تحرك الدولة. فالمغرب، كما يقول، “يقترض اليوم لتسديد ما اقترضه بالأمس”، حيث إن 108 مليارات درهم من أصل 123 مليارا من القروض المبرمجة لسنة 2026 ستذهب لسداد الديون السابقة، ليبقى فقط 15 مليار درهم صافية للاستثمار الفعلي.

يصف الصديقي هذا الوضع بـ”الدورة الجهنمية للديون”، ويستحضر صورة بليغة: «نصب الماء في الرمال»، في إشارة إلى غياب الأثر التنموي الحقيقي لهذه القروض، رغم استمرار الاستدانة.

ومع ذلك، يرى أنه يمكن اعتبار الوضع أقل سوءا من مراحل سابقة، ما دامت الدولة لا تقترض بعد لتغطية أجور الموظفين، وهو مؤشر على بعض التوازن المالي النسبي.

نحو إصلاح بنيوي لا تقني

يختم الصديقي مقاله بالتأكيد على أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 لا يجب أن يقرأ بمعزل عن التحولات السياسية والاجتماعية التي يعيشها المغرب.

فالبلاد في حاجة إلى ميزانية تعكس اختيارات اجتماعية شجاعة، وتعيد توزيع الثروة بما يحقق العدالة الاقتصادية. أما الإصلاحات التقنية التي تتباهى بها الحكومة، فهي في رأيه “تجميلية أكثر منها بنيوية”.

ويعد الصديقي في ختام مقاله بأنه سيتناول في مقال لاحق الجوانب الإيجابية في المشروع، لكن من نفس المنطلق النقدي البناء، معتبرا أن الإصلاح المالي لا يمكن أن ينجح دون إصلاح سياسي عميق، يعيد الثقة بين المواطن والدولة.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts