المجلس العلمي الأعلى يصدر فتوى شاملة في موضوع الزكاة

المجلس العلمي الأعلى يصدر فتوى شاملة في موضوع الزكاة

أصدر المجلس العلمي الأعلى، الجمعة 24 أكتوبر 2025، فتوى مفصّلة في موضوع الزكاة، شملت تحديد أحكامها ومقاديرها وأنواع الأموال التي تجب فيها، محددا النصاب ومقادير الواجب إخراجه في مختلف القطاعات، وفق المذهب المالكي، مع مراعاة الأنشطة الاقتصادية الحديثة، وتطور أشكال الكسب في المجتمع المغربي،

وجاء إصدار الفتوى، بتوجيه من أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس العلمي الأعلى، حيث عبّر أعضاء المجلس في تقديم الفتوى عن بالغ اعتزازهم بالتكليف الملكي الذي وصفوه بـ”التشريف العظيم”، معتبرين أن إصدار فتوى الزكاة يدخل في صميم مهام حماية الدين وتبليغ أركانه، خصوصا في سياق الاحتفاء بذكرى مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول الكريم ﷺ.

وأكد المجلس في مستهل الفتوى أن الغاية من هذا العمل العلمي هي بيان أحكام الزكاة لمن تجب عليه مسؤوليتها، وأن العلماء يؤدّون بذلك واجبهم في التذكير والتبليغ، مشيرين إلى أن الفتوى تغطي جميع القطاعات التي تشملها الزكاة، من الفلاحة والماشية إلى الصناعة والخدمات، مع بيان النصاب والقدر الواجب في كل نوع، وتوضيح الفئات المستحقة للزكاة وفق النص القرآني.

كما أوضح المجلس أنه اعتمد في معظم أحكام الفتوى على ما ورد في المذهب المالكي، واستعمل المصطلحات الفقهية المألوفة مرفقة بالشرح لتيسير الفهم على عموم الناس.

وأكد أن الفتوى تستوعب الأحكام الأصلية للزكاة كما وردت في كتب الفقه، وتفتح الباب لاجتهاد مستمر يواكب المستجدات الاقتصادية المعاصرة، لاسيما في الأنشطة الجديدة المدِرّة للدخل.

وأشار المجلس إلى أنه سيفتح قريبا موقعا إلكترونيا خاصا لاستقبال الأسئلة المكتوبة، أو المسجلة صوتيا من طرف المواطنين الذين يودون استيضاح أحكام الزكاة في حالاتهم الخاصة، خاصة في الأنشطة الاقتصادية الحديثة.

وفي معرض التوضيح، بيّن المجلس الفرق بين الضريبة والزكاة، حيث تأخذ الدولة الضرائب مقابل الخدمات، بينما الزكاة عبادة مالية يؤدّيها المسلم امتثالا لأمر الله تعالى، وتصرف للفئات التي نص عليها القرآن الكريم.

وأوضح المجلس أن الزكاة تطهر المال والنفس كما قال تعالى: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا” (التوبة: 104).

وشدّد المجلس على أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وفريضة عظمى، وأنها حق واجب في المال إذا بلغ نصابا معينا، يصرف للمستحقين المحددين شرعا.

الأموال التي تجب فيها الزكاة

حددت الفتوى القطاعات الكبرى التي تشمل الأموال الخاضعة للزكاة، وهي: الفلاحة، الماشية، منتجات الفلاحة غير الحبوب، الغابات، الصيد، التجارة، الصناعة، والخدمات.

وبيّن المجلس أن هذه القطاعات يمكن أن تندرج تحت التصنيف المغربي للأنشطة الاقتصادية الذي يضم 21 قطاعا و88 فرعا و274 شعبة و650 نشاطا، مؤكدا أن الأمثلة المذكورة في الفتوى ليست حصرا بل للتوضيح.

زكاة الحبوب

تجب الزكاة في الحبوب إذا بلغت النصاب وهو خمسة أوسق (حوالي 653 كيلوغراما)، ويخرج العشر (10%) إذا كانت تسقى بماء المطر، ونصف العشر (5%) إذا كانت تسقى بنفقات الري. ويمكن أداء الزكاة نقدا على أساس القيمة السوقية للحبوب يوم إخراجها.

زكاة الماشية

بيّنت فتوى المجلس العلمي الأعلى أن نصاب الإبل يبدأ من خمسة رؤوس، وما دون ذلك فلا زكاة فيه. فإذا بلغت الإبل خمسا إلى تسع، وجب فيها شاة واحدة، بينما تجب شاتان إذا بلغت ما بين عشر وأربع عشرة.

وعند بلوغها خمس عشرة إلى تسع عشرة، يكون الواجب ثلاث شياه، وأربع شياه إذا وصلت إلى أربع وعشرين.

أما إذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين، فتجب فيها بنت مخاض، وهي أنثى أتمت سنة ودخلت الثانية.

وإذا بلغت ما بين ست وثلاثين وخمس وأربعين، ففرضها بنت لبون، أي أنثى أتمت سنتين ودخلت الثالثة. وعند بلوغها ستا وأربعين إلى ستين، تجب حِقّة، وهي أنثى أتمت ثلاث سنوات ودخلت الرابعة.

ويستمر التدرج على هذا النحو، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين، تجب جذعة أتمت أربع سنوات ودخلت الخامسة.

أما إذا تراوحت بين ست وسبعين وتسعين، فالواجب فيها بنتا لبون، وتصبح حقتان عند بلوغها ما بين إحدى وتسعين ومئة وعشرين.

وعند بلوغها مئة وواحدا وعشرين إلى مئة وتسعة وعشرين، تجب ثلاث بنات لبون، وما زاد عن ذلك يُحتسب فيه على أساس القاعدة الفقهية: “في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة”.

زكاة البقر

أما بالنسبة للبقر، فقد حددت الفتوى نصابها بثلاثين رأسا، فلا زكاة فيما دون ذلك. فإذا بلغت ثلاثين إلى تسع وثلاثين، وجب فيها تبيع أو تبيعة، أي عجل أتم سنة ودخل الثانية. وإذا بلغت أربعين إلى تسع وخمسين، فالواجب فيها مسنة، وهي أنثى أتمت سنتين ودخلت الثالثة.

وإذا تجاوزت الستين رأسا، يحتسب الواجب على قاعدة “في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة”، بحيث يتكرر التقدير وفقا للعدد الذي يملكه المزكي.

زكاة الغنم والماعز

وفيما يخص الغنم والماعز، فإن نصابهما يبدأ من أربعين رأسا، ولا زكاة فيما دون ذلك. فإذا بلغ عددها من أربعين إلى مئة وعشرين، وجبت فيها شاة واحدة.

وعند بلوغها من مئة وإحدى وعشرين إلى مئتين، تخرج شاتان، وتزيد إلى ثلاث شياه إذا تراوح العدد بين مئتين وواحد وثلاثمئة وتسعة وتسعين.

أما إذا بلغت أربعمئة رأس فأكثر، فالمقدار الواجب يكون شاة واحدة عن كل مئة رأس، أي في كل مئةٍ شاة واحدة.

زكاة الأموال والمعادن

أوضحت الفتوى أن ما عدا زكاة الحبوب والماشية يدخل ضمن زكاة النقود والعروض التجارية.

نصاب الذهب هو 85 غراما (يعادل 68 ألف درهم تقريبا)، ونصاب الفضة 595 غراما (يعادل 7438 درهما تقريبا)، مع إمكانية تقويم النصاب بأحدهما حسب السعر اليومي في السوق، واقترحت الفتوى الاعتماد على الفضة في التقدير، لأنها الأصلح للفقراء.

زكاة منتجات الفلاحة من غير الحبوب

تشمل الخضر والفواكه، النباتات العطرية والطبية، الزعفران، المشاتل، الأعلاف، التوابل، القهوة والشاي، والنباتات الزخرفية.

وتزكى هذه الأصناف بحسب قيمتها السوقية بنسبة 2.5% (ربع العشر) إذا بلغت النصاب. كما تشمل المحاصيل الغابوية والفطر ومنتجات الصيد البحري والنهر.

الثروة الحيوانية التجارية

وتشمل الخيل، الدواجن، الأرانب، تربية النحل لإنتاج العسل، وتربية الطيور والحيوانات الأليفة، وتُزكّى قيمتها بعد خصم تكاليف الإنتاج بنسبة 2.5%.

زكاة التجارة

تجب في السلع والبضائع والأسهم والعملات، ومحصلات الشركات، بعد خصم تكاليف التسيير (الأجور، الكراء، الضرائب…)، إذا بلغت النصاب ومضى عليها الحول. والواجب إخراجه هو ربع العشر (2.5%).

زكاة الصناعة

تشمل الصناعات الغذائية، المعدنية، الكيماوية، الإلكترونية، النسيجية، الجلدية، الطاقية، وصناعة الأثاث وغيرها.

وتجب الزكاة في قيمتها بعد خصم تكاليف الإنتاج بنسبة 2.5% إذا بلغت النصاب.

زكاة الخدمات

أكد المجلس أن قطاع الخدمات أصبح من أبرز مجالات الدخل في العصر الحديث، ومن ثمّ وجبت الزكاة فيه، وتشمل: خدمات القطاع العام والخاص (الأجور)، الخدمات الصحية، البنكية، التأمينية، الاتصالات، الحقوق المعنوية (الابتكار، التأليف، النشر، العلامات التجارية)، الدراسات والخبرات، خدمات الطاقة والماء، تدبير النفايات، الترفيه، المحاماة، التوثيق، الإشهار…

وتؤدى زكاتها بنسبة 2.5% إذا بلغ المال النصاب ومضى عليه عام، بعد خصم النفقات الضرورية والتكاليف الشهرية.

وضربت الفتوى مثالا توضيحيا: من كان راتبه الشهري 10 آلاف درهم، وخصم منه الحد الأدنى للنفقة الشهرية 3266 درهما، فإن زكاته السنوية بعد خصم المصاريف تبلغ 2020 درهما.

زكاة الديون

• الدَّين المرجو: يزكّى عند اقتراب الحول أو عند قبضه إن تأخر.

• الدَّين الميؤوس منه: لا يُزكّى إلا بعد قبضه.

أما الديون التي على المزكي فتُخصم من أمواله قبل احتساب النصاب.

موعد إخراج الزكاة

أكدت الفتوى، أن موعد إخراج زكاة الحرث والثمار: عند الحصاد، والماشية: بعد مرور عام هجري كامل، بينما زكاة الثروات المعدنية: عند استخراجها، والعروض التجارية: بعد حولان الحول على النصاب، فيما يُكره تأخير الزكاة بعد وجوبها.

مصارف الزكاة

حددت الفتوى الفئات المستحقة للزكاة كما ورد في قوله تعالى:

“إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ” (التوبة: 60).

وبيّنت الفتوى أن الأولوية تعطى للفقراء والمساكين لسدّ حاجاتهم الأساسية، ثم الغارمين (المدينين العاجزين عن السداد) وابن السبيل، أما الأصناف الثلاثة الأخرى (العاملون عليها، المؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب) فلم تعد واردة في السياق المعاصر.

كما أوضحت الفتوى أن الزكاة لا تعطى لمن تجب نفقته على المزكي كالوالدين والزوجة والأبناء غير البالغين، ولا زكاة في الحلي المعد للزينة إلا إذا بيع وبلغ ثمنه النصاب.

خاتمة الفتوى

اختتم المجلس العلمي الأعلى فتواه بالتأكيد على أن الزكاة تمثل بعدا روحيا واقتصاديا في آن واحد، إذ تطهّر النفس من الشح وتعيد التوازن الاجتماعي، وتسهم في تحقيق العدالة الاقتصادية والتكافل بين أبناء الأمة.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts