أمر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، مساء الأربعاء 29 أكتوبر 2025، بفتح تحقيق قضائي بشأن ما أثير حول مزاعم “طحن الورق مع الدقيق”، إثر تصريحات برلماني أثارت جدلا واسعا وأحدثت ارتباكا لدى المستهلكين.
وتعود القضية إلى مداخلة النائب البرلماني أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، الذي صرح بأن بعض شركات الدقيق تقوم بـ”طحن الورق مع الدقيق”، قبل أن يوضح، لاحقا، أن المقصود بالعبارة مجازي في اللهجة المغربية، ويشير إلى التلاعب في الوثائق أو الفواتير للاستفادة غير المشروعة من الدعم العمومي.
ويأتي هذا التحقيق في إطار تتبع النيابة العامة لكل ما يمس سلامة المنتجات الغذائية وثقة المواطنين، خاصة ما يتعلق بالمواد المدعمة من الدولة.
وأوضح مصدر أن البحث القضائي سيتم تحت إشراف النيابة العامة، مع تكليف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بإجراء التحريات اللازمة لتحديد الوقائع والمسؤوليات القانونية.
وأكد المصدر ذاته أنه في حال ثبوت وجود أي غش أو تلاعب، ستُتخذ إجراءات قانونية صارمة، قد تشمل المتابعة الجنائية وفرض غرامات وإغلاق الوحدات المتورطة في “طحن الورق مع الدقيق”، إضافة إلى مساءلة المسؤولين عن التوزيع.
من جهته، شدد التويزي في توضيح لاحق على أن الحديث عن طحن الورق مع الدقيق حرفيا “غير منطقي اقتصاديا”، نظرا لارتفاع سعر الورق مقارنة بالدقيق، وأن قصده كان “فسادا مرتبطا بتزوير الوثائق المحاسباتية”.
ورغم التوضيح، أثارت القضية مخاوف واسعة لدى المستهلكين ودعوات إلى فتح تحقيق شامل حول جودة الدقيق المدعم. وقد ردت الفيدرالية الوطنية للمطاحن ببيان تنفي فيه الاتهامات، معتبرة أنها “باطلة وغير مدعومة بأي دليل”، مؤكدة التزامها التام بمعايير الجودة والشفافية.
في المقابل، كان المرصد المغربي لحماية المستهلك دعا إلى استدعاء البرلماني المعني لتقديم أدلته، مشيرا إلى أن ثبوت مثل هذه الأفعال يندرج ضمن جرائم الغش، وتعريض حياة المواطنين للخطر، المعاقب عليها وفق القانون رقم 28.07 والفصل 540 من القانون الجنائي، بينما في حال عدم صحتها فإنها تدخل ضمن “الخطاب الشعبوي الذي يضر بثقة المواطن في المؤسسات”.
كما طالب المرصد المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA) بإجراء تحاليل ميدانية ومخبرية مستقلة ونشر نتائجها للرأي العام.
يذكر أن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA) كذب بشكل قاطع هذه الادعاءات التي تتحدث عن طحن الورق مع الدقيق، في بلاغ رسمي، مشيرا إلى أنه يمنح الترخيص الصحي للمطاحن ويخضعها لمراقبة مستمرة للتأكد من احترامها لجميع معايير السلامة والنظافة وجودة الإنتاج، مشيرا إلى أنه إلى حدود سنة 2025، تم منح 191 ترخيصا صحيا بعد التحقق من استيفاء الشروط التقنية والصحية المعمول بها.
وأضاف المكتب أن مصالحه أنجزت 212 زيارة تفتيشية خلال سنتي 2024 و2025، في إطار المراقبة الدورية لمراحل إنتاج الدقيق، للتأكد من مدى التزام المطاحن بمعايير الجودة، كما ينفذ المكتب برنامجا وطنيا سنويا لأخذ عينات من الدقيق لتحليلها مخبريا، قصد التحقق من خلوها من الملوثات مثل “الأفلاتوكسين” و”الأوكراتوكسين” و”الزيرالينون”، فضلا عن فحص نسب المعادن والحديد والبروتين والرطوبة والحموضة الدهنية.
وأشار البلاغ إلى أن “أونسا” تراقب أيضا جودة الدقيق المعروض في الأسواق ونقاط البيع عبر لجان محلية مختلطة، وتقوم بعمليات حجز وإتلاف كل المواد غير المطابقة، حيث في سنة 2024، تم أخذ 710 عينة من الدقيق بالمطاحن والأسواق، أسفرت عن حجز وإتلاف 38 طناً من الدقيق الفاسد، وإحالة 89 ملفا على المصالح المختصة.
أما خلال سنة 2025، وإلى غاية نهاية شهر شتنبر، فقد تم أخذ 577 عينة، وحجز وإتلاف 33 طنا إضافيا من الدقيق غير المطابق، كما قامت “أونسا” بسحب 9 رخص صحية وتعليق 4 رخص تخص مطاحن لم تحترم المعايير الصحية.
وأكد المكتب في ختام بلاغه، أن سلامة المواد الغذائية خط أحمر، وأنه يواصل جهوده لضمان جودة المنتجات الغذائية المعروضة في الأسواق المغربية، داعياً إلى تحري الدقة وعدم نشر معطيات غير موثوقة تمس ثقة المواطنين في المنظومة الوطنية للسلامة الصحية.
واستبعدت مصادر متابعة النائب البرلماني أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، بسبب تصريحاته التي تشير إلى طحن الورق مع الدقيق، وذلك استنادا إلى الفصل 64 من الدستور.
ويُشار إلى أن الفصل 64 من الدستور المغربي ينص على عدم إمكانية متابعة أي عضو من البرلمان بسبب رأيه أو تصويته أثناء مزاولته مهامه، باستثناء الحالات التي تمس النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو الاحترام الواجب للملك.
وبناء عليه، فإن تصريحات التويزي داخل قبة البرلمان محميّة دستوريا، في حين يمكن النظر في تصريحاته اللاحقة خارج المؤسسة التشريعية، خاصة إذا تضمنت معطيات غير دقيقة تمس الأمن أو الصحة العامة.