حتى قبل الصدمة التي أحدثتها تفجيرات بروكسل الأسبوع الماضي كانت روح الدعابة السوداء قد ترسخت في منطقة شومان التي تبلغ مساحتها نحو كيلومتر مربع وتعد قلب الحي الأوروبي في المدينة.
كان العام قد بدأ بداية بائسة للاتحاد الأوروبي باستمرار أزمة الهجرة دون حل لتسمم العلاقات بين حكومات الدول الأعضاء وتزايد صعوبة المفاوضات الرامية لتفادي خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي واستمرار أزمة الدين اليوناني وما كشفت عنه هجمات المتشددين الإسلاميين من سلسلة أخطاء أمنية عبر الحدود.
وغذت سلسلة من مؤتمرات القمة الاستثنائية لزعماء الاتحاد الذي يبلغ عدد أعضائه 28 دولة جو الأزمة الدائمة. ويقول المتنبئون بالأحوال السياسية إن عواصف أسوأ ربما تكون في الطريق.
وفيما بين الموظفين العاملين في مؤسسات الاتحاد الأوروبي الذين اعتادوا منذ عهد بعيد أن يكونوا كباش فداء مكروهين لدى الساسة على المستوى الوطني تتراوح الحالة المزاجية ما بين القنوط والتحدي.
في يناير قال رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينتسي “الاتحاد الأوروبي مثل الأوركسترا الذي كان يعزف على السفينة تايتنيك”.
وطالب المسؤولين في الاتحاد الأوروبي بإعادة التركيز على تعزيز النمو والوظائف بدلا من هذا “النهج البيروقراطي الخطأ”.
وصدرت تعليمات مشددة للمسؤولين ألا يفعلوا أو يقولوا شيئا من شأنه أن يؤثر على الاستفتاء الذي تجريه بريطانيا في 23 يونيو حزيران على البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الانسحاب منه.
وتأجلت تشريعات تخص قضايا مختلفة بدءا من كفاءة استهلاك الطاقة للغلايات وأجهزة تحميص الخبز الكهربائية إلى الحقوق الاجتماعية للعمال وذلك لتجنب تأجيج النقاش الدائر في بريطانيا.
وفي لقاءات خاصة يقول قدامى الموظفين المدنيين في أجهزة الاتحاد الأوروبي إنهم متشائمون بشأن حالة الاتحاد إذ يشعرون بالقلق على مستقبلهم الشخصي وفي الوقت نفسه تتزايد تساؤلاتهم عن الأسلوب الذي يدار به الاتحاد الأوروبي.
وبعد الخوض في ألاعيب قانونية للتوصل إلى اتفاق على “التسوية الجديدة” التي طالب بها رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون دون مخالفة معاهدات الاتحاد الأوروبي وإبرام صفقة لإعادة طالبي اللجوء إلى تركيا يتشكك البعض في مدى التزامها بالقانون الدولي أصبحت بروكسل تتمنى ألا تفسد أي من الصفقتين خلال الأسابيع المقبلة.
وعلى مدى 20 عاما ظل صحفيون ومسؤولون في الاتحاد الأوروبي أغلبهم من البريطانيين وعلى رأسهم الصحفيان جيف ميد وجاك ديفيز يسخرون من الاتحاد الأوروبي ومن أنفسهم في عروض خيرية أطلق عليه اسم “برس ريفيو” وتلقى إقبالا شديدا.
وهذا العروض أكثر هزلا وبعدا عن التوقير من العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض الذي يفترض أن يسخر فيه الرئيس الأمريكي بالمزاح من نفسه ومن وسائل الإعلام ويرتدي فيه الكل البذلات الرسمية. وتمثل هذه العروض مقياسا للحرارة دس تحت الإبط في عالم الموظفين في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
* “قبل أن ينهار الاتحاد الأوروبي”
وكانت قراءة المقياس مرتفعة هذا العام وربما تصل إلى حمى لا شفاء منها.
وتعكس المشاهد الهزلية التي قدمت لجمهور ملأ المكان من مسؤولين ودبلوماسيين وأعضاء جماعات ضغط وصحفيين هاجسا بقرب نهاية “اتحاد تتزايد أواصره قوة” على مدار ستة عقود من الزمان على الأقل بالنسبة لبريطانيا وبعض الدول الأخرى الأعضاء.
كما سلطت هذه المشاهد الضوء على وعي مسؤولي الاتحاد الأوروبي بعدم شعبيتهم لدى الناخبين وعلى إحساسهم بعدم الإنصاف في انقلاب الناخبين في كثير من الدول على التكامل الأوروبي بدلا من توجيه الاتهامات لحكوماتهم.
وكانت اللازمة في أغنية حزينة النغمات تسخر من المفاوضات التي تجري في ساعات الليل المتأخرة ويتبادل أطرافها الاتهامات والتي أصبحت الحالة المعتادة في الاتحاد هي “لنصل إلى مأزق واحد آخر قبل أن ينهار الاتحاد الأوروبي”.
وتقول كلمات الأغنية “هيا لنلقي بمجلس آخر في غياهب الليل/ أريد تحديد حصص صيد الأسماك حتى يطلع نور الصباح/ شيء واحد أعرفه يا حبيبي أن يوم حساب من نوع ما قادم/ فلنصدر توجيها آخر قبل أن ينهار الاتحاد الاوروبي.”
وفي مشهد هزلي آخر على غرار أغنية “غرابة فضائية” (سبيس أوديتي) للمغني ديفيد بوي ينظر ميجر توم وهو يهيم بين النجوم ليرى الاتحاد الأوروبي كمكان مقفر للأشباح بعد خروج بريطانيا منه.
وفي مشهد آخر يتوجه كاميرون بلهفة بالسؤال إلى جوناثان فول المسؤول البريطاني الكبير في المفوضية الأوروبية الذي ساعد في صياغة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لمعرفة ما إذا كان الاتفاق جيدا.
ويرد فول “هو اتفاق جيد أقل مما قد تحصل عليه. لكنه اتفاق جيد أكثر مما تستحق.”
ولخص ذلك حالة الاضطراب النفسي التي تجمع بين المتناقضات في الحي الأوروبي من بروكسل عن بريطانيا البلد الذي اختار عدم المشاركة في العملة الأوروبية الموحدة ومنطقة شينجن المفتوحة للتنقل بين دولها دون جوازات السفر وهو أيضا البلد الذي اختار عدم المشاركة في جانب كبير من أشكال التعاون مع أجهزة الشرطة والقضاء في الاتحاد الأوروبي.
وإذا ما خرجت بريطانيا من عضوية الاتحاد فإن غموضا يكتنف مستقبل الاتحاد نفسه سيقترن بالاستياء من مطالب بريطانية لا تبدو لها نهاية بإعفاءات واستثناءات من قواعد الاتحاد الأوروبي والخوف من إرساء سابقة لأعضاء آخرين بالاتحاد.
وفي ختام العرض وعلى أنغام أغنية “سوف أحيا” (آي ويل سيرفايف) للمغنية جلوريا جينور توسل الأوروبيون للبريطانيين أن يحسموا أمرهم في النهاية ويتوقفوا عن الاعتقاد أن بوسعهم تركيع الاتحاد الأوروبي.
وتقول كلمات الأغنية “لا لا ليس نحن. فسوف نحيا/ ما دام بوسعنا التكامل نعرف أننا سنبقى على قيد الحياة. فعندنا دول أخرى أعضاء. نحن مشغولون بالكثير/ لكننا سنحيا. سوف نحيا.”
وإذا ما صوت البريطانيون بالموافقة على الخروج من الاتحاد فمن المؤكد أن حس الدعابة لديهم سيكون واحدا من الأمور التي سيفتقدها الاتحاد الأوروبي.