عن فيلم « المسيرة » .. وطني يستحق أفضل

هل تكفي النوايا الحسنة لصنع فيلم سينمائي؟
هل الشعارات الكبيرة يمكن أن تخلق عملا إبداعيا؟
الجواب سيكون حتما لا .. لأن للسينما قوانينها، وللإبداع قواعده البعيدة عن التاريخ والجغرافيا وعن قيمة الحدث الذي نريد الخوض فيه.
وأظن أننا هنا لن نتحدث عن حدث تاريخي ذي قيمة إنسانية رفيعة، بل عن فيلم سينمائي اسمه « المسيرة ».
لقد أصبحنا منذ مدة أمام ظواهر غريبة ل« صائدي التيمات » وقناصي الفرص، حيث يغلب الموضوع على العمل في حد ذاته، خصوصا مع تصاعد مد شعبوي خطير غذته سياسة وزارة الاتصال التي صنعت صناديق كريمة لدعم كل شيء.
بعض المخرجين والمنتجين تمكنوا من تطوير نوع من الذكاء. ذكاء غير مرتبط بالسينما وتعبيراتها المختلفة، بل ذلك الذكاء القريب أكثر من « المكر والفهلوة و التشلهيب ». فأصبحوا مختصيين في تصيد الفرص، واقتناص التيمات الجذابة و Sexy ، إذ يتنافسون على من سيغرف أكثر من طنجرات الدعم الشعبوي، ويلعق صنابير المال المفتوحة بالنوايا الحسنة.
فتاريخ سينمانا هو تاريخ خطابات بلهاء في أفلام هزيلة: موجة أفلام سنوات الرصاص، وموجة أفلام اليهود المغاربة، فموجة أفلام الأعلام .. ثم أفلام مرتبطة بالقضية الوطنية الأولى، فكان أن صنعت لنا المخرجة فريدة بليزيد مسخا اسمه « حدود وحدود »، ثم أخرج محمد اليونسي شيئا اسمه « الوشاح الأحمر »، ف  « المسيرة » ليوسف بريطل… وكلها أعمال بلا عمق… الخواء ثم الخواء.
الفيلم لا يحكي شيئا، شخصيات متناثرة يجمعها قدر المسيرة وكفى .. يعني الدرجة الصفر من السرد والكتابة السينمائية.
لنكف عن الاختباء إذن وراء قضايانا الوطنية، لنكف عن التخفي وراء النوايا الحسنة من أجل صنع التفاهات والانتاجات الكبيرة التي لا تمتلك روحا.
فيلم « المسيرة » صنع بطريقة فجة.. حزمة من الخطابات المباشرة التي لا تنفع في الداخل ولا في الخارج… ننفخ فيها « الأنا »، ونضخم ذواتنا وكفى الله المومنين شر القتال.
المسيرة الخضراء تستحق أفضل من هذا بكثير.. فكفوا عن العبث بمسيرتنا، بتاريخنا، برموزنا.. من أجل حفنة دراهم.. خذوا المال واتركوا التاريخ.. خدوا المال واتركوا السينما.. فالسينما واستغلال الوطن لا يلتقيان.
وعلى ما يبدو فإن طموح المخرج والمنتجين أكبر من قدراتهم التعبيرية والفنية، فوقع لهم مثل ما يقع للدجاجة التي تبيض أكبر مما تتسع له مؤخرتها.. فكان هذا الفرط من الوطنية الزائدة والخطابات المباشرة البليدة.