رفعت القناة الثانية الراية البيضاء في الحرب التي يقودها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وحزب العدالة والتنمية، وذراعه الدعوي حركة التوحيد والإصلاح، حيث شنت حملات للترهيب في حق الاعلام العمومي وخصوصا دوزيم التي اعتبرها « الإخوان » في العدالة والتنمية، وأتباعهم في كل مكان، قناة “صهيونية” لنشر الرذيلة، والفسق، والفحشاء… وغيرها من الأوصاف القدحية والعنصرية.
استسلام دوزيم يظهر من خلال البرمجة التي اختارتها القناة في نقل حفلات موازين نسخة 2016 … برمجة ذات مواصفات خاصة تتحكم فيها اعتبارات “ميتا تلفزيونية”.
وكانت المواجهة بين الطرفين عرفت معركتين أساسيتين: الأولى اشتهرت بمحطة دفاتر التحملات التي حسم فيها التحكيم الملكي سنة 2012، والثانية قضية حفلة جينيفر لوبيز التي بثتها دوزيم بمناسبة مهرجان موازين في 2015، ورفضت الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري الشكاية الموجهة إليها في الموضوع “من ناحية الشكل”.
في الشكل دائما.. اليوم تقوم القناة الثانية بنقل حفلات مهرجان موازين، لكن على غير عادتها تقوم بانتقائية عجيبة: فخلافا للسنوات السابقة التي كانت دوزيم تحتكر فيها حفلات منصة السويسي التي غنت بها جينيفر لوبين وجيسي جي … نجدها هذه السنة تنقل حفلات ديانا حداد، وملحم بركات، ومريم فارس، ويارا، وعاصي الحلاني، والستاتي، وحجيب، وشيرين، ونجاة اعتابو، وأمينوكس … أي هناك تحول كبير، والانتقال من البرمجة الدولية إلى منصات البرمجة العربية والمغربية واضح حيث يمكن قراءة هذا التحول من خلال منظورين :
الأول يعني أن تأتير البيجيدي ظهر جليا من خلال انتقاء القناة الثانية هذه السنة لنقل حفلات معينة خلافا لدورات أخرى. فإذا كان البيجيدي فشل في معاركه العلنية مع التلفزيون، فإن تأثيره على المشهد الإعلامي بدأ يظهر مع مرور الوقت. ف “تحكم” البيجيدي في مجال الاعلام خصوصا أنه يمتلك حقيبة وزارة الاتصال، لا يظهر دفعة واحدة من خلال اغلاق القنوات التلفزيونية “الفاجرة” بل إن خونجة التلفزيون يمر عبر مراحل وعبر تدرج .. وبرمجة دوزيم واحد من صور التحول وتمظهراته.
المستوى الثاني، يعني أن تجنب دوزيم بث حفلات إيغي أزاليا وزميلتها كريستينا أغيليرا، يمكن أن يكون مناورة ذكية من دوزيم حتى تحرم العدالة والتنمية من ورقة توظفها أخلاقويا في سنة انتخابية حاسمة، خصوصا أن الحزب وأذرعه الدعوية والاعلامية جعلت منذ البداية من التلفزيون حصان طروادة لخوض معاركها وتصفية حساباتها.
الأساسي في كل هذا هو أن المعارك التي تواجه فيها الحزب الحاكم والتلفزيون لا تخضع لمنطق النصر والهزيمة الذي يبقى أمرا غير دقيق في مثل هذه الحالات، حيث شهدنا على مدى السنوات الماضية، والتجارب المتلاحقة أن المنطق السياسوي في تدبير الأمور أجهض كل شيء خصوصا أن الملف له أولا وأخيرا طابع مهني صرف، وبقي الخاسر الأكبر في العملية برمتها هو المشاهد المغربي.