قال رئيس مجلس المستشارين، حكيم بن شماش، في افتتاح “الملتقى البرلماني للجهات” ، إن “النموذج المغربي للجهوية، كما أعلن فلسفته جلالة الملك ورسمت ملامحه اللجنة الاستشارية للجهوية وماتلاها من ترسيم دستوري، يأتي استجابة لضرورة تاريخية تحصن المكتسبات الديمقراطية وتفتح آفاقا جديدة تشكل فيها الجهوية المتقدمة رافعة لتكريس التنمية المستدامة والمندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا، ومدخلا لإصلاح عميق لهياكل الدولة من خلال السير الحثيث المتدرج على درب اللامركزية واللاتمركز الفعليين النافذين، والديمقراطية المعمقة، والتحديث الاجتماعي والسياسي والإداري للبلاد، والحكامة المسؤولة”.
وعلى هذا الأساس، اعتبر رئيس مجلس المستشارين، خلال هذا اللقاء المنظم من قبل المجلس المستشارين اليوم الاثنين 6 يونيو 2016، تحت شعار “انخراط جماعي مسؤول في بحث ممكنات التنزيل ورهانات التفعيل”، بأن ورش الجهوية المتقدمة ليس مجرد ترتيب تقني وإداري، بل إنه مشروع مجتمعي، كرسه دستور 2011 لبلورة استرتيجية بديلة لتحقيق تنمية سوسيو اقتصادية متوازنة، تسثمر كل المؤهلات وتعبئ مختلف الفاعلين، ولهذا فإن ورش الجهوية المتقدمة يجب أن يمكن الجهة كفاعل سياسي على مستوى التنمية المحلية من ممارسة اختصاصاتها الذاتية، وتمكينها كشريك للدولة في السياسات الوطنية من ممارسة الاختصاصات المشتركة.
واضاف رئيس مجلس المستشارين بأن المصادقة على القوانين التنظيمية الثلاثة ذات الصلة بورش الجهوية المتقدمة، والانتخابات الجماعية والجهوية لرابع شتنبر 2015، شكلت محطة سياسية حاسمة ولبنة إضافية على مستوى تفعيل الجهوية المتقدمة، مشددا على أن التدبير العملياتي، بعد تشكل المجالس الجهوية، يواجه العديد من الرهانات ذات الطبيعة الإجرائية من قبيل، وحدة السند المرجعي على المستوى التشريعي، وأجندة الحوار والتنسيق المتلازمين الواجب أن يفضيا إلى ما أسماه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالقيادة الاستراتيجية لورش الجهوية المتقدمة. ومن هنا الهدف الاستراتيجي من إحداث “الملتقى البرلماني للجهات” كـ”آلية لمأسسة التنسيق، بوتيرة نصف سنوية ضمن ندوات موضوعاتية تنظم محليا بشراكة مع المجالس الجهوية وبمشاركة كافة الفاعلين المعنيين وطنيا ومحليا للتداول في القضايا والأسئلة الأفقية المرتبطة بالجهوية المتقدمة”.
وطرح رئيس مجلس المستشارين عدة عناصر إشكالية كأرضية للتداول الجماعي في الدورة التأسيسية لـ “الملتقى البرلماني للجهات”، أجملها في مبدأ التفريع المنصوص عليه في الفصل 140 من الدستور، ومبدأ توزيع الاختصاصات، إلى اختصاصات ذاتية وأخرى مشتركة مع الدولة، ومبدأ تبوأ الجهة مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية في إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، متسائلا في نفس السياق إلى أي حد تم استثمار هذه الفرص وتفعيل هذه المبادئ في القانون التنظيمي 111-14 المتعلق بالجهات، بما يمكن هذه الأخيرة من ممارسة اختصاصاتها في زمنها الفعلي.
كما طرح رئيس مجلس المستشارين سؤال كيفية أجرأة توصيات رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المتعلقة بتحديد الأدوات والمقاربات المرتبطة بمجال نقل السلطات، وتحسين انسجام واندماج السياسات العمومية على المستوى الترابي، وتعزيز التعاون والنهوض بمشاركة الفاعلين المؤسساتين والترابيين، وكذا تقوية الآليات الديمقراطية التشاركية على المستوى الترابي.
واقترح رئيس مجلس المستشارين أن يتم تدارس كيفيات أجرأة توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في ارتباط بتقييم تجربة رؤساء الجهات ومكاتبها المسيرة، والتحديات المتعلقة بممارسة اخاصاصتهم الجديدة، ذلك لأن هذا الربط المهنجي هو إطار قراءة كفيل بتحليل المشاكل القائمة من قبيل الطابع العام لمعايير توزيع مساهمة الميزانية العامة المرصودة للجهات. كما سيمكن إطار القراءة هذا، من تقييم ثقل الكلفة الرمزية من زاوية الديمقراطية التشاركية لمشكل التأخر في إصدار النص التنظيمي الذي يحدد شكل العريضة الموجهة من قبل المواطنين والجمعيات قصد إدراج نقطة في جدول الأعمال.
وشدد رئيس مجلس المستشارين على أن “ربط تحليل توصيات المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي بالتجارب المعاشة حاليا من قبل مسيري مجالس الجهات هو الذي سيمكن على سبيل المثال لا الحصر من إدراك الأولوية الفائقة لتوصية المجلس المتعلقة بإنشاء قطب اجتماعي على المستوى الجهوي في إطار اللاتمركز الإداري (التوصية رقم 56 من توصيات المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي)” وهي توصية، يضيف رئيس مجلس المستشارين، ستمكن في حال تنفيذها من “تقوية التنسيق بين الجهة والقطاعات الحكومية غير الممركزة المشكلة للقطب الاجتماعي و كذا التوصية المتعلقة بإنشاء هيأة عليا على المستوى الوطني مكلفة بالقيادة الإستراتيجية للجهوية (التوصية رقم 2 من توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي )”.
أما المستوى الثالث، من إشكالية هذا اليوم الدراسي، بحسب رئيس مجلس المستشارين، فيتجلى في التوصيات الهامة المثارة في إطار التقرير الذي أعدته منظومة الأمم المتحدة بالمغرب لفائدة الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة للحكومة و المعنون بـ ” التقائية السياسات العمومية، مسالك للفعل”، والصادر في يناير 2015 خاصة منها تلك المرتبطة بالإطار العام للالتقائية الوطنية و الخطوط التوجيهية للسياسات العمومية ذات الطابع متعدد القطاعات خاصة على المستوى الترابي والشراكات بين الدولة و الجهات و تشجيع المقاربات التشاركية من أسفل إلى أعلى.
وفي نفس السياق، يضيف رئيس مجلس المستشارين، أنه من الممكن استحضار أهمية هذه التوصيات على ضوء الهندسة الجديدة لتوزيع الاختصاصات الذاتية و المشتركة و المنقولة بين الجهات وبين العمالات والأقاليم والجماعات وهو توزيع، بالرغم من جوانب قصوره الذي بدأت تبديه الممارسة، يؤكد رئيس المجلس، يبقى على العموم وفيا لمنطق القانون الدستوري للجماعات الترابية حيث تبقى الجهة كمكان لالتقائية وانسجام البرمجة و التخطيط، والعمالة و الإقليم كمستوى متوسط يعهد إليه على الخصوص بتصحيح الاختلالات المتعلقة بالولوج إلى الخدمات أو التجهيزات الأساسية على مستوى العمالة أو الإقليم و الجماعات كمستوى للقرب.
ولم يفوت رئيس مجلس المستشارين، في مداخلته تجديد التأكيد على أن إنضاج ورش الجهوية المتقدمة، يحتاج إلى انخراط جميع الفاعلين المعنيين في دينامية تفكير جماعي لتحقيق الالتقائية والتكامل في وجهات النظر بشأن الخيارات والأولويات المرتبطة بهذا المشروع الدولتي الهام.
ولهذه الغاية، فإن الهدف الإستراتيجي من إحداث “الملتقى البرلماني للجهات”، يقول رئيس مجلس المستشارين، يتجلي في “مأسسة التنسيق، بوتيرة نصف سنوية ضمن ندوات موضوعاتية تنظم محليا بشراكة مع المجالس الجهوية وبمشاركة كافة الفاعلين المعنيين وطنيا ومحليا للتداول في القضايا والأسئلة الأفقية المرتبطة بالجهوية المتقدمة”.