يسارع تنظيم “داعش” غالبا إلى تبني الهجمات الإرهابية لما يسمى بالذئاب المنفردة. ورغم أن هذه العمليات باتت تشكل تحديا كبيرا أمام أجهزة الأمن الأوروبية والأمريكية، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن رائحة التنظيم تفوح منها.
عملية إطلاق النار في أورلاندو الأمريكية هي بدون شك الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. قبيل تنفيذ هجومه الدموي أعلن منفذ الهجوم ذو الأصل الأفغاني عمر متين في اتصال هاتفي مع شبكة الطوارئ الأمريكية ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية، كما أوردت وسائل إعلام أمريكية. وبالرغم من تبني تنظيم داعش الإرهابي للعملية، إلا أن الغموض مازال يكتنف أطوارها. فمكتب التحقيقات الأمريكية “أف بي أي” لم يعثر إلى الآن في سجل مكالمات ومراسلات متين على أي خيط يقود إلى علاقة مباشرة بينه وبين التنظيم والإرهابي. ما يزيد من احتمال فرضية تخطيط و تنفيذ متين لحمام الدم لوحده في ما بات يعرف بعمليات “الذئاب المنفردة”.
“الذئاب المنفردة”: خطر متزايد
مكتب التحقيقات الأمريكية “أف بي أي” استجوب عمر متين مرتين بين عامي 2013 و2014 لاشتباهه بعلاقة تربطه بانتحاري أمريكي فجر نفسه في سوريا. لكن الأدلة لم تكن كافية ضده. بعدها تمكن الأمريكي ذو الأصول الأفغانية من الإفلات من مراقبة المخابرات وقام بشراء أسلحة نارية بشكل قانوني واقتحم بعدها ملهى ليليا للمثليين وقضى على 49 من رواده.
الخبير الأمريكي في شؤون الإرهاب دايفيد شانزر أشار في حديثه لـ DW إلى أن “المهاجمين المنفردين في الولايات المتحدة الأمريكية ينفذون أعمالهم من تلقاء أنفسهم. وهم لا يتلقون أي أوامر ولا تربطهم أي علاقة بالتنظيمات الإرهابية”. ما يعني أنّ السرية التامة تكتنف أنشطة الذئاب المنفردة وهذا ما يزيد في الواقع من خطورتها.
فمهمة تقفي مخططات الفاعلين وإحباط العملية في الوقت المناسب صعبة للغاية للسلطات الأمنية حسب تعبير الخبير الألماني في قضايا الإرهاب رولف توبهوفن. إذ يقول في حديثه لإذاعة “دويشتلاند فونك” الألمانية “أن يخرج شخص من الخفاء إلى العلن ويقوم فجأة بعملية إرهابية دون سابق إنذار يشكل تحديا حساسا لرجال الأمن، حتى أقوى أجهزة الأمن كفاءة وعديدا لا يمكنها استباق عمليات كهذه”.
تصريحات مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون كشفت عن التهديد المتزايد للمهاجمين المنفردين على أمن الولايات المتحدة الأمريكية إذ قالت في خطاب لها بعد الهجوم الدموي “قد يكون إرهابي اورلاندو مات، لكن الجرثومة التي سممت روحه لا تزال حية”. وأضافت إن “التهديد ورم متنقل (…) حين اصبح رئيسة سيكون كشف هويات الذئاب المنفردة واعتقالهم أولوية كبرى عندي”. عمر متين ليس أول ذئب منفرد ينفذ هجوما ارهابيا، إذ سبقه الأخوان تسارنايف في ذلك حيث نفذا في عام 2013 تفجيرين متعاقبين قرب خط نهاية ماراثون في مدينة بوسطن ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص.
ذئاب منفردة تحت راية داعش؟
الذئاب المنفردة ليست ظاهرة جديدة في قضايا الإرهاب. الأمر الجديد حسب الخبير الألماني رولف توبهوفن هو محاولة الإرهابيين تقمص شخصية إرهابيي داعش والانتساب للتنظيم. “يعتقد منفذو العمليات المنفردة أنهم سيضخمون من قيمة عملياتهم الإرهابية إذا ما نسبوها إلى تنظيم داعش”. ما يعني أن غاية الإرهابي يمكن أن تكون في هذه الحالة نشوة البطولة. وإذا ما أخذنا عمر متين كمثال فإن هناك مؤشرات تصب في هذا الاحتمال. إذ أشارت زوجته السابقة أنه كان في البداية شخصا هادئا لكنه تغير ليصبح مضطربا يميل إلى العنف.
تجدر الإشارة أن وسائل إعلام أميركية ذكرت نقلا عن شهود عيان تفاصيل جديدة عن عمر متين كان يتردد على نادي ” ذي بلس”. كما نقلت صحيفة “أورلاندو سانتينيل” تأكيدات أن منفذ الهجوم كان من زبائن نادي “ذي بالس” وأبدى مرات عدة سلوكا عدوانيا مرتبطا بإفراطه في شرب الكحول. من جهة أخرى أكد أحد زبائن لصحيفة “لوس انجليس تايمز” أن الأميركي من أصل أفغاني كان يستخدم شبكة التواصل الاجتماعي للمثليين “غاي جاكد”.
ورغم أن احتمال انزلاق متين إلى التطرف الديني لم يتم تأكيده بعد، إلا أن مدير المركز العالمي لبحوث التطرف في معهد كينغ في لندن بيتر نويمان لم يستبعد ذلك، إذ ربط في حديث مع موقع راديو “دويتشلاند فونكه” الانزلاق إلى التطرف بأسباب نفسية مشيرا :”المشاكل النفسية تدفع المنفذ إلى البحث عن مشروع إيديولوجي ينغمس فيه ويسمح له بالتحول من وجهة نظره إلى بطل”. جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الاتحادي من جهته قال إن دوافع عمر متين مازالت غير واضحة غير أن ثمة مؤشرات قوية على أنه يستلهم فكر جماعات إرهابية أجنبية وإن السلطات على “ثقة شديدة” أنه تحول إلى الفكر المتشدد عبر الانترنت جزئيا.
لم ينجح تنظيم داعش في اختراق أجهزة الأمن الأمريكية لنشر أنشطته على أراضي الولايات المتحدة. إذ لا توجد هناك حسب المحلل الأمريكي دايفيد شانزر أي بنية تحتية للإرهاب ولا خلايا نائمة يمكنها أن “تخطط وتنفذ عمليات إرهابية بشكل جماعي. لإن نظام الرقابة الأمنية الصارم في الولايات المتحدة يمكنه كشف الخلايا وتواصلها بسهولة”.
أوروبيا وفي تطور خطير تزامن مع هجوم أورلاندو قام شخص يدعى العروسي عبد الله بقتل ضابط شرطة وزوجته طعنا بعد أن احتجزهما في منزلهما بباريس صبيحةالثلاثاء (14 يونيو 2016)، معللا دافعه لذلك باستجابته لطلب أرسله له زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، يدعوه فيه لتنفيذ الهجمات، حسب الشرطة الفرنسية. وحدات الشرطة قامت بقتل الجاني، بعد حوالي ثلاث ساعات من تنفيذه العملية. ويبدو أن منفذَي هجمات باريس وأورلاندو يشتركان إلى الأقل في نقطة واحدة وهي الهجمات المنفردة وهي صفة الذئاب المنفردة الخطرة.