دعوني في البداية أصدقكم القول، لم تعد الكتابة عن التلفزيون في رمضان تغري بالمرة .. كل سنة نكرر نفس القاموس : الرداءة والضحك على الدقون .. وغيرها من تعابير التذمر والقرف .. وينتهي رمضان، وينسى الكلام، في انتظار موسم تلفزيوني جديد. لكن ما نشاهده هذه الأيام لا يمكن السكوت عنه.
لنتحدث عن وجه إيجابي أولا، حيث لم يعد الجانب التقني يشكل عائقا أمام المنتوج التلفزيوني. وتمكن من تحقيق قفزة لا بأس بها في سنوات قليلة. صحيح.. لم نعد نجد صعوبات في جودة الصوت والصورة والديكور …
لكن الطامة الكبرى تتجلى في الكتابة .. في السيناريو .. في المضمون الذي نقدمه للمشاهدين. وهنا نجد مسلسل « نعام ألالة » و « وعدي الجزء الثاني » أمثلة فاجرة في هذا الباب.
أعمال تلفزيونية « تحكي » الخواء، تسرد الخزعبلات، بعيدة عن المجتمع ومشاكله وتحولاته وقضاياه.. حتى وجدنا أنفسنا أمام مشاهد سريالية عجيبة تغيب عنها أبسط قواعد الكتابة، وأسس الحكي وأبجدياته التي على أي سيناريت مبتدئ معرفتها: التمهيد .. العقدة .. الذروة .. الحل…
لقد وجدنا أنفسنا أمام حدوثة تافهة، أعمال بمضمون فارغ، حيث تبنى المسلسلات على الترهات والأسباب والمسببات الواهية التي تخلق أعمالا تحمل كل مؤشرات السيناريست الكسول الذي يجعل حكايته تقف غالبا على الصدفة، كما هو الأمر في نعام الالة، أو القضاء والقدر كما هو الحال في وعدي 2 .
في المقابل نصنع مخرجين نجوما لأنهم مطالبون بإصلاح ما يمكن إصلاحه، وتصويب بعض مما اقترفته أيدي المتطفلين، إضافة الى حصول الممثلين على البطاقة البيضاء للتصرف في الحوارات والاحداث وكل شيء.. لإنقاذ ما يمكن إنقاذه… حتى شركات الانتاج أصبح أصحابها يكتبون السيناريو و « تخلطات لعرارم » .. أما الكتاب الحقيقيون الذين يلزمون المنتجين بالوقت اللازم والأجر المناسب فيعيشون العطالة القسرية.
من يتحمل المسؤولية إذن؟
يجب أن نسمي الأشياء بمسياتها، المسؤولية تتحملها أولا لجنة القراءة، التي تضم عناصر تفهم ما تقرأ، لكنها في الآن ذاته تضم « معمرين للسوارج » يفهمون ربما في الميزانيات، والتسويق، والماركوتينغ، وما شابه ذلك، لكنهم لا يفهمون في الكتابة للتلفزيون، فمن هو نجيب في بيع منتوج تلفزيوني لشركة اتصالات أو شركة حفاظات، ليس بالضرورة قادرا على قراءة سيناريو والتميز بين الصالح والطالح.
هناك مشكل حقيقي في اختيار المشاريع إذا، وإلا كيف يمكن قبول مشروع مثل « مستر سانسور« و »نعام ألالة »؟
القناة تتحمل بدورها المسؤولية. إذ هناك إشكال في توقيت إعلان نتائج المشاريع المختارة الذي يكون غاليا قبل شهرين أو ثلاثة أشهر، على أبعد تقدير، عن حلول شهر رمضان، ما يجعل العملية الإتاجية تتم في وقت قصير بمنطق « كور واعطي لعور« .
ليس هذا فحسب، فالقناة تتحمل مسؤولية المراقبة أيضا، حيث أنه فور حصول الشركات على مشروع ما حتى تنطلق في تنفيذه « كيف ما جاب الله ». ونحن هنا لا نعني مراقبة التنفيذ الإنتاجي بالمعنى اللوجيستيكي، بل بالمواكبة للعملية في مستوياتها المتعددة: من عملية الكتابة والتطوير حتى المونتاج النهائي مرورا بوضع الموسيقى والميكساج … لن نخترع العجلة كما يقال، ففي كل تلفزيونات العالم من يختار المشروع يتتبعه حتى النهاية بينما يتعامل التلفزيون اليوم بمنطق “شي يحلب وشي يشد لكرون” أي لجنة القراءة تختار وتقذف بالمشروع لمكلف في القناة يراقب أمرا لا سلطان له عليه.
زد على كل هذا، هناك مشكل تواصلي تشكو منه القناتان مع المشاهدين ومع الصحافة على حد سواء، والأمر أكثر استفحالا في الأولى على وجه الخصوص، التي باستثناء حملة إشهارية محتشمة على اللوحات في شوارع المدن الكبرى وعلى فيسبوك، لم نر لها أثرا أو خرج مسؤول للدفاع عن البرمجة أو شرح استراتيجية، وكأن القناة أصابها الخجل مما اقترفت.
ماهو الحل إذن؟
لقد ظهر اليوم أن الموديل الانتاجي فاشل برمته، من دفاتر التحملات سيئة الذكر التي توازي بين طلبات عروض تشييد الطرقات وإنجاز عمل فني، إلى غياب المراقبة والتتبع. ورغم أن « البرايم تايم » على الأولى يكلف، ولأول مرة، حوالي مليون درهم، إلا أن النتيجة محبطة، وتأكد اليوم أن العلاقات الملتبسة و« البريكولاج » يمكن أن يحل المشاكل الانتاجية واللوجيستيكية، لكنه لا ينفع بالمرة في قضية المضمون لأنه لا يقبل الترقيع ولا المساومة، يظهر على الشاشة ويخرج لنا لسانه ليسخر منا ومن صنيعنا. لقد نجح الانتاج الدرامي في تجارب بالعالم أسره عندما أصبح صناع المضمون سادة العملية.
الحل يتجلى أيضا في تحرير القطاع وفتح المجال للقنوات التلفزيونية الخاصة لأن الجودة تأتي مع وبالمنافسة. وتلك حكاية أخرى.