لماذا يجب أن نفرح فعلاً وبجد لأن الانقلاب ضد أردوغان فشل؟!
طبعًا لن يفكر أردوغان للحظة بل لوهلة بل لفيمتو ثانية أن زعيم المعارضة التركية رفض الانقلاب العسكرى، وكذلك قيادات كل الأحزاب الرافضة لسياسة الحكم والحكومة، وأن زعماء الأكراد الذين يرميهم أردوغان كل يوم بالخيانة والقنابل رفضوا الانقلاب، فقط سيتذكر أنه دعا أو بالأحرى استدعى أعضاء حزب العدالة والتنمية إلى نفير عام فنزلوا فعلاً وأجهضوا مع قوات مخابراته وشرطته غير النظامية هذا الانقلاب المسخرة.
قطعًا هو انقلاب مسخرة قامت به مجموعة من الهواة الفشلة الذين يشكلون عارًا على الانقلابات فى العالم كله، فما هذا الانقلاب الهُزُؤ الذى يعلن عن نفسه فى بيان تقرؤه مذيعة حسناء قبل أن يقبض على أردوغان شخصيًّا ويحتجز ويعتقل كل قيادات الجيش الرافضة للانقلاب وزعامات السلطة التنفيذية والتشريعية، ويغلق المحطات التليفزيونية ولا يسمح ببث أى بيانات من جهة أخرى ويلاحق الناس بقراراته وبياناته، ومثل هذه البدَهيات فى عالم الانقلابات التى يكفى أن تكون قارئًا للتاريخ أو متابعًا للنشرات التليفزيونية أو مشاهدًا للأفلام الوثائقية كى تعرفها وتتقن فن الانقلاب!
مجريات الساعات الثلاث التى قام فيها الانقلاب المزعوم وسقط، تسمح بوجاهة نظرية أنه انقلاب تحت رعاية أردوغان شخصيًّا حتى يتمكَّن من سحق ما تبقى من ديمقراطية فى تركيا تحت ادّعاء حماية الديمقراطية من الانقلابيين، لكن الثابت هنا أن أردوغان لن يكون نفسه ما قبل هذا الانقلاب الهُزُؤ، فالأغلب أنه سيعود على منهج ناصر الدسوقى أشد وحشية وغباوة فى العنف والقتل متمسحًا بحق أهل حتته!
رغم هذا كله فما حدث هو انتصار للديمقراطية فعلاً.
نعم من المهم جدًّا أن نفرح بسقوط هذا الانقلاب بعيدًا عن مشاعر الشماتة الرخيصة المعتادة فى هذه الأحوال، والتى يؤججها الإخوان وينتقل الفيروس منهم إلى قطاع كبير من الشعب المصرى.
فشل هذا الانقلاب يؤكد أن للتغيير طريقًا واحدًا هو الديمقراطية، حيث الانتخابات والاقتراع والمواجهات السياسية من خلال الصناديق، أما الطريق الثانى فهو الثورة الشعبية التى تهز وتهد وتزلزل وتبنى، بينما الطريق الثالث مغلق تمامًا ولا يجب اللجوء إليه وهو الانقلاب، حتى الطريق الثانى وهو الثورة فهو خيار يجب أن يظل بعيدًا وبعيدًا جدًّا وبعد كل الاختيارات الديمقراطية!
طبعًا أردوغان والإخوان لا يحترمون الديمقراطية ولا يؤمنون غير بوصولهم إلى السلطة والبقاء فيها، لكن إذا فشل الأتراك فى إزاحتهم ديمقراطيًّا، فالحل هو الثورة عليهم أو بالعصيان المدنى وليس بالانقلاب العسكرى بأية حال من الأحوال!
الحكم العسكرى لا يجب أن يكون مطروحًا كحل فى عقلية القرن الواحد والعشرين كما الحكم الدينى بالضبط، ولا يجب أن نسقط فى شرَك أن يكون هذا بديلاً لذلك، ويجب أن نتعلَّم جيدًا (وقد تعلمنا بعد كل هذا الدم وهذا الفشل) أن الحكم الذى ينبنى على امتلاك الحقيقة الكاملة ومصادرة أى آراء أخرى وتكفير أو تخوين المعارضين، وأن الحكم القائم على احتكار الدين أو احتكار الوطنية وعلى ترويج أن العالم كله يتآمر عليه لأنه ممثل الإسلام أو لأنه ممثل الوطنية، هو حكم لا يتقدم ببلده بل يغطس به فى قاع الأمم.
لهذا لا أمل فى تركيا كما فى مصر كما فى كل أنحاء الدنيا إلا بالالتزام بالديمقراطية الحقيقية وليست المزورة ولا المزيفة ولا الشكلية ولا التى توفِّر لنا فقط الوصول إلى الحكم كى نمنع غيرنا من الوصول إليه!