إحسان الحافظي يكتب : “بيجيدي”وانقلاب تركيا… ولاء الجماعة العابر للحدود

حدث الانقلاب في تركيا عرى حقيقة ما يختزله العقل الباطن لدى الكثير من قيادات العدالة والتنمية، ولأنه العقل الذي يختزن المعقدات والمسؤول عن المشاعر التي تنطلق فجأة، فقد انطلقت التدوينات تفضح حقيقة ما تفكر فيه وما تخفيه عن الناس. وزير التجهيز والنقل كتب في تدوينته: “اللهم احفظ أمتنا ووطننا من كل شر”، تعليقا على حادث الانقلاب في تركيا. عن أي وطن يتحدث الوزير عزيز الرباح؟ عن المغرب أم تركيا؟ وإذا افترضنا أن نية الرجل وطنه المغرب، فأي شر هذا الذي أصابه من مصيبة في بلاد أخرى، تبعد عنا بآلاف الأميال؟

لا شك أن الجواب عن السؤال يوجد في الجزء الأول من التدوينة، وبالتحديد في عبارة “أمتنا”، فمثل هؤلاء الساسة يقدمون الأمة بمعناها الشامل على الوطن، ويؤمنون بالدولة الأمة أكثر من إيمانهم بالدولة الوطنية، دولة يكون الولاء فيها لجماعة، تنظيما عقديا سياسيا عابرا للحدود، مقدم عن الانتماء إلى الشعب، كتوصيف ارتبط بمفهوم الدولة القائم على السكان والإقليم والدستور، الدولة التي تحرس التعددية والحق في الانتماء إلى الدين والفكر والهوية. فالأمة بهذا المعنى تقتل الخصوصية وتُحدث حالة من الاقتلاع الجغرافي لأناس باتوا يعيشون بيننا بهويات مغربية مزيفة !

وسيرا على هدي تدوين الوزير الرباح سارت الكثير من قيادات “بيجيدي”، وذراعها الدعوي، ولم يكن غريبا توظيفها المشترك لعبارة “المرجع الأعلى” رجب طيب أردوغان، قال فيها: “إن من تدعمه الجوامع لن تهزمه المدافع”، العبارة نقلها عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة للحزب، ومحمد الهلالي، نائب رئيس حركة التوحيد الإصلاح، وعلى ركبهما سارت الكثير من التدوينات التي أطلقتها كتائب العدالة والتنمية على مواقف التواصل الاجتماعي، إلا من عقل منهم وسلمت أفكاره.

وحتى يكتمل توزيع الأدوار بين “الإخوان”، جاء بلاغ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يعتبر فيها أن “محاولة الانقلاب في تركيا حرام شرعا ومن الكبائر وعلى الشعب الاستمرار في دعم الرئيس”، بلاغ “الإسلاميين” أكد فرضية الارتباطات العالمية للحركات الأصولية بالإسلام السياسي، وكشف أن وظيفتهم تتعدى الطابع الدعوي إلى الفعل السياسي، وفي ذلك فهم يتقدمون إلى الانتخابات باسم الدين والجوامع، تفرقهم الجغرافيا وتوحدهم السياسة. لقد جاء القول بتحريم الانقلاب صادما للكثيرين، وتكشفت حقيقة استخدام الدين لأغراض سياسية، فالسلطة لا يمكن أن يحكمها التحليل والتحريم، والصراع حولها لأجل منافع دنيوية لا يمكن أن تخضع لمنطق الحلال والحرام..

في منتصف القرن 16 ميلادي وصل العثمانيون إلى الحدود الشرقية للمغرب، وبعد أن دخلوا تونس والجزائر بدؤوا يتطلعون لدخول المغرب الأقصى لضمه إلى الإمبراطورية العثمانية، لكن خططهم التوسعية انهارت أمام دولة السعديين، التي كان سلطانها يعتبر نفسه أحق بالخلافة الإسلامية، وحشد لوقف مدهم نحو أربعين ألف رجل، وحينما أيقنوا استحالة ضم المغرب كتب السلطان سليمان القانوني إقرارا باحترام استقلال المغرب بعد أن علم أن أحمد منصور الذهبي جهز حملة لاكتساح إيالات شمال إفريقيا لإخراج العثمانيين منها. اليوم يبدو أن أحفاد العثمانيين حققوا بالسياسة ما فشلوا في تحقيقه بقوة السلاح !

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة