أسماء بن العربي تكتب : اقتلوهم وقطعوا أيديهم

تفاعل عدد كبير من المغاربة على مواقع التواصل مع حملة زيرو كريساج ، وطالبوا بالحد من ظاهرة السرقة وتوفير الأمن، لكن بعض الأشخاص قرروا أن يتفاعلوا بطريقتهم الخاصة وطالبوا بإقامة الشريعة، معتبرين أن الحل الوحيد للقضاء على هذه الظاهرة هي إقامة حد السرقة كما جاء في القران، أي قطع يد السارق.

لا أعلم إن كان هؤلاء على علم بأن قطع يد السارق ليست من الدين، فالعقوبة كانت موجودة في المجتمع القريشي قبل مجيء الإسلام، وكان أهل قريش إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، فالإسلام لم يأت بالعقوبة بل نظمها ودعا إلى إقامة الحد على السارق سواء كان ضعيفا أو قويا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”. فالدين لم يغير عادات المجتمع بل اهتم بتنظيم الحياة وضمان الحقوق.

لا أعلم إن كان هؤلاء على علم بأن السرقة لم تتوقف عندما طٌبقت الحدود، ولم تتوقف حتى في عهد الرسول، وتضاعفت في عهد عمر رضي الله عنه بسبب المجاعة مما دفع به إلى الاجتهاد والأمر بتوقيف حد السرقة. وإذا كان عمر بن الخطاب اجتهد في أشياء كثيرة بعد سنوات قليلة من موت الرسول صلى الله عليه وسلم رغم أنه كان يحكم مجتمعا أغلبه من الصحابة والتابعين، فكيف يريد البعض أن نعود لتطبيق عقوبة كانت متواجدة قبل مجيء الإسلام دون مراعاة للتطورات التي لحقت بالمجتمعات ؟ ماذا سنستفيد من تعويض السجون والإصلاحيات بساحات للقصاص ؟ هل بهذا سنصبح أكثر تدينا واكثر إيمانا؟ أليس العمل على إدماجهم بعد العقوبة السجنية والعمل على ضمان عدم اقترافهم للجنحة او الجريمة مرة اخرى اكثر إنسانية من المطالبة بقطع أيديهم وأرجلهم؟

المطالبة بتقطيع الأيدي والأرجل والقتل لم تظهر مع حملة زيرو كريساج ، بل يكفي أن تتجول في حسابات بعض “المؤثرين” على مواقع التواصل والذين للأسف ينتمون في الأغلب لتيارات دينية، لترى مدى “تدعشش” خيالهم، فبين من يريد أن يشنق اخر انقلابي بأمعاء اخر اتحادي، ومن يريد أن يقتل بدون رحمة ويفصل رؤوس من يكتبون “الهراء”، حسب تعبيره، عن اجسادهم وتعليقها بأحد الأماكن المشهورة كنوع من الترهيب والتهديد للاخرين حتى لا يسيروا على خطاهم، وغيرها من التدوينات التي تحرض على القتل والعنف… تدوينات تجعلنا نوقن بأننا نعيش في مجتمع عنيف ومتطرف مع إيقاف التنفيذ، مجتمع لم يعد يخيفنا فقط لانه لا يقبل الإختلاف بل لأنه إذا ما اتيحت للبعض الفرصة لن يتردد في تعنيف الاخر الذي يختلف عنه. فماذا يمكن أن ننتظر من مجتمع منافق ؟ مجتمع يتبرأ من داعش وأفعالها، لكن في الوقت ذاته يؤمن بأن القتل هو الحل للتخلص ممن يخالفه الرأي، ماذا ننتظر من مجتمع يؤمن بأن أفكاره ودينه لن تنشر إلا بالسيف ولا مكان للانسانية في قاموسه؟ مجتمع ينصر فقط أخاه الذي يشبهه عندما يكون ظالما قبل أن يكون مظلوما، ونصره لأخيه الظالم لا يتم بالنصح ومنعه عن الظلم كما جاء في الحديث النبوي، بل نصره بمعناه اللفظي.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة