في كثير من الأحيان يغلب الانتماء على رجاحة العقل، ويتفوق الولاء على منطق الأمور خصوصا إذا كانت القضية تتعلق بحزب سياسي أو جماعة تتعامل بمنطق وآليات الطائفة.
مناسبة هذا الكلام ما خطته آمنة ماء العينين، البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، على صفحتها الخاصة في فايسبوك حيث كتبت : « كل التضامن مع المناضل عمر الصنهاجي الذي يسعون لترهيبه لا لشيء الا لأنه حر مستقل في التعبير عن رأيه. مؤسف ما آلت اليه الأوضاع في بلدي ».
حتى هنا الأمور طبيعية والسيدة تدافع عن قضية لا يمكن الاختلاف حولها، حيث تساند مناضلا من شبيبة حزبها عبر عن رأيه وهي تدافع عن حقه في التعبير كما يدافع جميعنا عن هذا المبدأ الأساسي.
لكن الأمور غير ذلك بالمرة، إذ انفجرت قبل أيام قضية الصنهاجي الذي هو عضو بشبيبة حزب بنكيران، ومدير المقر المركزي لشبيبة العدالة والتنمية، ودعى في تدوينة له إلى قتل كل من يعارض حزب العدالة والتنمية وفصل رؤوسهم عن أجسادهم، وتعليقها على شاكلة ما يقوم به تنظيم “داعش” الإرهابي بأحد الأماكن المشهورة كنوع من التهديد والترهيب للجميع لكي لا يسيروا على خطاهم.
وكتب الصنهاجي حرفيا : “الذين يكتبون الهراء ويظنون أنه يحقق ذواتهم ويميزهم في الفيسبوك أو المجتمع …هذه نماذج لأشخاص يتوجب قتلهم بلا رحمة. وفصل رؤوسهم عن أجسادهم، وتعليقها بأحد الأماكن المشهورة كنوع من التهديد والترهيب للجميع لكي لا يسيروا على خطاهم ..”.
إن التحولات التي يشهدها العالم اليوم من خلال تسطيح مفهوم العنف، تفرض علينا تفكيرا جديا أولا ورد فعل حازم ثانيا، حيث لم يعد هناك مجال للتهاون أو التسامح أو التراخي في مثل هذه الأمور لأن تصريح الأول، وتضامن العنصر الثاني، في حقيقة الأمر تهديد لحرية التعبير.
الحزم مع مثل هذه النماذج، وفي مثل هذه القضايا صمام الأمان للحرية المسؤولة، وللعيش المشترك، والإيمان بالحق في الاختلاف لأن الحوار والنقاش ينتهي عندما تبدأ لغة الذبح وترفع الخناجر والسيوف.
إن السكوت عن تصريحات ماء العينين والصنهاجي وغيرهما،سيفتح باب جهنم واسعا على كل الاحتمالات.. ويمكن أن يوصلنا إلى ما لا يحمد عقباه، وأظن أن المغرب دفع في وقت سابق ثمن تصريحات المحرضين التي تجد آذانا صاغية عند بسطاء العقول أو أي معتوه يحول كلاما أرعن في فيسبوك إلى واقع مخيف.
ان سلوكات هؤلاء نابعة من كونهم لا يمارسون السياسة بل « الجهاد » ولا ينظرون الى الامور من منطق اختلاف الرأي ووجهات النظر، بل من أوهام صراع الخير والشر، الكفر والإيمان، وامتلاك الحقيقة المطلقة .. أما حرية التعبير والديمقراطية وما شابهها فهي بدع افرنجية و« جسور » يسيرون فوقها إلى حين.
إن التحريض على القتل الداعشي، يا سيدتي، ليس « مجرد حرية تعبير » بل جريمة توجب المساءلة الجنائية، وقطع الرؤوس همجية لن تكون قط وجهة نظر.