ثمة فرق كبير، ظاهريا، بين الخطابين، خطاب قياديين وصحافيين في حزب العدالة والتنمية، و صحافة مقربة منه، من جهة، وبين الخطاب الذي تروجه الصحافة الرقمية التابعة له، وخاصة ما يسمى بالكتائب الرقمية، المجندة من طرفه، من جهة أخرى. حيث تحاول الجهة الأولى، الإلتزام بحد أدنى من التحفظ، مغلفة توجهها الحقيقي بكلمات مدروسة ومفاهيم تحتمل التأويل وعبارات منتقاة، بدقة، تخدم نفس المضمون، لكن بطريقة “ناعمة”.
أما الجهة الثانية، وخاصة تلك التي تستعمل هويات مستعارة، في الشبكات الإجتماعية، فإنها تلجأ إلى خطاب عنيف، يستعمل مصطلحات يغلب عليها طابع التحريض، تروج الإشاعة الكاذبة، وترتكب أبشع أنواع السب والقذف في حق الذين تختلف معهم، وتطلق العنان في تعليقاتها على الأحداث والوقائع، وتعبر، بدون أقنعة، عن المواقف الحقيقية للتنظيم الذي تنتمي إليه.
مثال ذلك ما حصل في التحاليل والتعليقات التي رافقت الخطاب الملكي، بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لعيد العرش، حيث حاولت الجهة الأولى التخفيف من حدة النقد الذي تضمنه ضد الإستعمال الفج، من طرف رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، لاسم الملك، بشكل غير مسبوق في الحياة السياسية المغربية.
بينما لجأت الجهة الثانية إلى التطاول على المؤسسات، وإلى التهجم على الخصوم السياسيين، موظفة الخطاب الملكي، أحيانا، ومشوهة مضمونه في غالب الأحيان، بل أكثر من ذلك، لم تسلم حتى المبادرة الملكية، بإطلاق إسم “عبد الرحمن اليوسفي”، على أحد شوارع طنجة، من التطاول والتهجم.
غير أن ما ينبغي أن يعرفه الرأي العام، هو أن هذه الإزدواجية، في الخطاب، مخدومة، و هي مبنية على تقاسم الأدوار، بين الوجه الظاهر، والوجه الخفي من جبل الجليد العائم. فهما وجهان لعملة واحدة، خاصة وأن من يمول ويوجه، الكتائب الرقمية والمواقع والهويات المستعارة، هو الوجه الظاهر، الذي يساهم في أكبر عملية إحتيال على الرأي العام، و يقوم بتشويه الفرصة التاريخية التي أتاحتها وسائل التواصل الحديثة، لتطوير حرية التعبير، ليحولها إلى حرية التضليل.