الكثير ممن سيقرأون عنوان هذا المقال سيظنون أنه يتكلم عن الحب بين الجنسين، أقصد الحب الذي يكون بين زوجة و زوجها، حبيب ومعشوقته .. الحب هو فن من فنون الوجود الإجتماعي، انحرف مفهومه عن مساره المقدس و أصبحت نظرتنا له مخالفة تماما لمفهومه الحقيقي ليصبح عبارة عن حاجة جسدية و إشباع رغبات جنسية فقط، الشيء الذي عطل مفهوم الجمال الروحي. و هذا بحد ذاته مشكل، عندما تتعلق كلمة “حب” بهذا النوع من العلاقة فقط.
هذا التفكير و هذه الطريقة لتفسير الكلمة مكتسب منذ الصغر، حيث يلقنوننا أن كلمة “حب” شيء مخجل، شيء محرج، شيء يتعلق بالعلاقة بين الجنسين، هذه الأخيرة التي بدورها تترسخ لنا على شكل علاقة حميمية أو جنسية. بما أننا أمة لا تعترف بالثقافة الجنسية ولا تلقنها لأجيالها، يترعرع موضوع الجنس فينا كشكل من أشكال الطابوهات، و موضوع يجب التعامل معه بحذر و من الأفضل تفاديه، و هذا سبب من أسباب السيكولوجية الغير السوية للإنسان في المجتمع العربي.
لنعد إلى موضوع الحب، الحب الذي أتكلم عنه هنا هو ذاك الشعور الإنساني الجميل، ذاك الإحساس الذي يغمرنا و يظهر لنا الحياة في طبق من ألماس، ذاك الحب الذي يكون عبارة عن ثقافة، عن نمط حياة .. ذاك الحب الذي ليس بالضرورة أن يكون نحو إنسان مثلنا، كم شخص منا أغرم بمقطع موسيقي ؟ كم شخص وقع حبا بمكان ما ؟ كم شخص ربطته مشاعر بلحظة تقاسمها مع كتاب .. شجرة .. شرفة ؟ اسمحوا لي أن أعترف أنني واقعة بغرام غرفتي، بقلمي الأسود، بالحديقة المجاورة .. بالشيخ المسن الذي ألقي عليه التحية كل صباح .. الإحساس بالحب نحو الأشياء و الأشخاص و الحيوانات بداخل كل منا بالفطرة، ما علينا إلا أن نشغل زر الإحساس و تقبل الآخر، أن نتفائل و أن نرى أنفسنا في الآخر، هذا يطغى و يتمرد على أحاسيس البغض و الكره و الحقد، كأن نمحي ثقافة ربط الألوان بالمشاعر، كربط اللون الأسود بالحزن و مشتقاته، لم لا نرى في السواد جمال ؟ ألا نعشق الليل ؟ هذا ما لقنتنا إياه ثقافتنا .. و هذا ما سنورثه لأبناءنا و للأجيال القادمة .. إن لم نغيره.
علينا أن نميز بين الحب الإنساني و الحب بين الجنسين الذي نعرفه جميعا، علينا أن نبني ثقافة من الحب، حياة من الحب، علينا أن نربي أولادنا على الحب، لن تنقرض مشاعر البؤس و الشؤم و الحروب و القتل و الإرهاب و التطرف في العالم إلا بزراعة الحب، فشتان بين ثقافة التربية على الفنون و بين ثقافة التربية على البندقية و السيف .. الأولى تنتج جيلا من المبدعين و الناجحين و المحبين للحياة، و الثانية تنتج جيلا من المجرمين و الإرهابيين و المرضى النفسيين. وحتى نعرف كيف ننتصر على قوى الشر علينا أن نعترف بوجود ثقافة الحب كشرط أساسي للتكامل الإنساني الاجتماعي، و لتكتمل شروط ثقافة الحب، لا بد من وجود ثقافة الحرية، وثقافة التربية الاجتماعية، التي تقوم بنائية كل منهما على شروط قيمية أخلاقية.
تحليل رائع و رؤية أخرى لكلمة الحب . شكرا