عن قضية زيدان وعدنان: لا فاشلا ولا مغمورا

قبل حوالي سنة كتب الشاعر ياسين عدنان ردا قاسيا في إطار مشاكسة بينه وبين شخص لم أعد أذكر اسمه. ولم أكن حينها أعرف ياسين بهذه الحدة في الرد، ولا في قدرته على “مرمطة” الخصوم في الوحل مع الحفاظ على لباقته وأناقته في التعبير، فقد عهدت في الرجل تسامحه ونبل أخلاقه أمام أصدقائه وخصومه على ندرتهم.
لذلك لا يحتاجني عدنان، أو يحتاج غيري، كي يرد على الخربشات التي خطها يوسف زيدان على صفحته في الفيسبوك، والتي يبدو أنها كتبت في لحظة ضعف وغضب لا تليق بمفكر وفيلسوف وأديب بحجمه.
لكن لا بأس من إعادة الأمور إلى نصابها، ومنح كل ذي حق حقه. ليس من المنطق الضيق لنصرة ابن جلدتنا، ولكن من باب إحقاق الحق أولا وأخيرا.
بدأت القضية عندما طلب الشاعر ياسين عدنان، الذي كان يسير لقاء فكريا بمدينة طنجة، من المفكر يوسف زيدان احترام الحضور في القاعة، والتخلص من سيجارته التي وإن كانت تريح أعصابه المشدودة، فإنها تزعج العشرات من الحاضرين غير المدخنين، دون الحديث عن القوانين المعمول بها في البلد، والتي تمنع التدخين في كل مكان معد للاستعمال الجماعي، وكل مرفق عمومي، وكذا المؤسسات العامة، والمكاتب الإدارية، وقاعات إلقاء الدروس والمحاضرات والندوات.
هنا انتهى الأمر، لأنه بسيط ولا يستحق لغطا كثيرا، إلا أن الفيلسوف لم يستسغ ما حدث، وشعر أن كبرياءه مسه آخر لا يجري في عروقه دم النبلاء الأزرق. فأطلق لأصابعه العنان، ليثأر لكرامته كما كان دونكيشوت ديلامانشا يحمل سيف الوهم ليحارب طواحين الهواء وكتب التالي : « ومن لطائف ما جري في طنجة ، أنني عقدت ثلاث ندوات في ثلاثة أيام متتالية ، و كلها شهدت حضوراً حاشداً غير مسبوق ، مما أثار غيرة بعض الفاشلين هناك . . و كانت الندوات تقام في فندق ، و تستمر لساعاتٍ طوال ، فكنت أدخّن كعادتي بعد ساعة أو أكثر ، فلما كانت الندوة الثالثة التي يديرها شاب مغمور قيل لي إنه “مذيع” راح يصخب في الميكروفون صارخاً بهستيرية إن التدخين ممنوع ! مع أننا في فندق سياحي ليس فيه إشارة واحدة تحظر التدخين ! كان ينتظر مما فعله أن أغضب ، لكنني استوعبت الحال و قابلته بسخرية خفيفة . . و مرّ الأمر ».
لا يا سيدي، ياسين عدنان ليس فاشلا ولا مغمورا.. ياسين عدنان شاعر وروائي وإعلامي نعتز به كثيرا، يعرفه الشعراء والكتاب من الخليج إلى المحيط، ولا يحتاج منك إلى بطاقة تعريف. فكان الأجدر بك أن تنأى كفيلسوف كبير عن مثل هذه الصغائر، وتشغِّل كبرياء المفكر في القضايا الكبرى، وليس في حقك في التدخين وسط حشد من الناس.
زيدان مفكر لا يشق له غبار، وأحد أبناء مصر المحروسة التي يمكن لها أن تفتخر به كما نفتخر به جميعا، لكن هذا لا يعطيه الحق في إهانة أي كان، وزيرا أو غفيرا، فما بالك إن كان شاعرا مهووسا بشيطان الشعر، وروائيا ينسج بخياله العوالم، وإعلاميا لامعا يعرفه الصغير والكبير.
إننا هنا لا نمنح عدنان حقا لا يمتلكه، لأن تدخله خلال اللقاء الفكري لم يكن من باب التسلق أو إهانة مفكر كبير بل عدلٌ وإلزامٌ للجميع بقواعد تسري على الكل.
كما أننا لا نخوض في الكبير يوسف زيدان، الباحث والمفكر والفيلسوف والروائي … ولا نعطي لنفسنا هذا الحق، ولكننا نتحدث عن إنسان خانه ذكاؤه في لحظة ضعف « وبس » .. اللهم ارحم ضعفنا جميعا.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة