في الحاجة إلى الأدب

لقد كان الرأي عندي دائما أنه لكي تنفض أمة من الأمم غبار التخلف و الرجعية عنها، فإنه يلزمها أول ما يلزمها أن تولي العناية بالشرط الاول والاهم والذي بدونه تضل جميع المحاولات قاصرة، و الذي هو العلم، وإلى جانب العلم لابد من الاهتمام بالأدب أيضا الذي سنحاول اليوم الحديث عنه.
لقد كانت على كاهل كل مثقف في كل مكان مهمة وإن كانة شاقة إلا أن ثمارها تستحق كل الجهد المبذول من أجلها، وهي إخراج القارئ من غياهب الجهل كي يبصر نور الفكر و الثقافة و العلم، إن للأدب في كل الأمم المتقدمة لمكانة عظمى، و إنه لشرف وأي شرف أن تكون كاتبا في مثل هذه الامم، فأنت لا تقل مرتبة عن المصلح الاجتماعي الذي تدين له الامة وتكتب إسمه في صفحات تاريخها، وإني ارى أن الاديب مصلح اجتماعي، ونبي ، وقدوة. لكنه قبل كل هذا إنسان، والانسان محكوم بإحتياجات يومية خاصة تنهب وقته، خصوصا في وقتنا المعاصر الذي كثرت فيه الاشغال و المهام، وصار لزاما على كل شخص أن يقتص الساعات الطوال من يومه كي يستطيع توفير حاجياته الاساسية لضمان استمراره، وفي الوقت الذي نجد فيه الاديب الغربي قد استطاع أن يصل بغض النظر عن اقتناصه لقلوب محبيه أن يحرز من المدخول المادي ما يخوله الاعتكاف على رسالته الانسانية الكبرى، وأن يخدم البشرية بكل ما يقدمه من فكر، نجد الاديب العربي و المغربي بالخصوص لا زال يمشي متعثرا بين أشواك الحياة، تغتاله متطلبات الحياة اليومية، و غلاء المعيشة، و يؤرقه المستقبل الحالك حتى يتسائل مع نفسه عن أهمية الحلم الذي خطط أن يفني عمره من أجله، فيناله اليأس و هو يرى هذا الحلم يتبخر مع تفاصيل الحياة ومتطلباتها. و إنه ليصبح محظوظا اذا استطاع التقاط هنيهات معدودة يسخر فيها قلمه للكتابة عن ما يؤرقه، ويقض مضجعه، و يدمي قلوب أبناء وطنه. و إنه ليشعر بسعادة عظمى غير مقدر لغيره أن يشعر بها اذا تسنى له ذلك.
إننا الان أكثر من أي وقت مضى في حاجة ماسة للأدب، في حاجة ماسة للفكر ، و الفن، اذ أنه بهذه الاليات وحدها نستطيع الخروج من مستنقع الغباء الذي نرقد فيه لقرون عديدة، و بهذا فقط سوف نستطيع يوما ما أن نفتخر بأنفسنا بإعتبارنا مساهمين ايضا في بناء الحضارة الانسانية التي تضفي على حياة الانسان المعنى.
الأدب هو مرآة الدنيا التي تفتح لك أفاق على كل الاشياء في الحياة، فمع شكري يسعك إلاحساس بألام البؤس الحقيقي الذي ينتاب الانسان الكادح، الذي يصارع في حياة: القانون فيها هو أن تكون الاقوى، وذاك هو الشأن في محاولة عيش لزفزاف، حيث تصبح حتى محاولة العيش محكومة بالفشل، وفي ثلاثية أحلام مستغانمي تختلط السياسة مع مشاعر النفس الممزقة في الغربة، مع الموت و الحب و الثورة، فتخبر أنت مع الشخصيات كل هذه الاشياء في قالب روائي هو للسحر أقرب، وغير بعيد عن نفس الثيمة نجد موسم الهجرة إلى الشمال والحي اللاتيني ، حيث تختبر حيرة النفس العربية وتمزقها بين الشرق بكل تقاليده و أعرافه وبين الغرب بكل تحرره و تفننه في إيصال النفس البشرية الى أخر محطاتها في التيه كي تختبر أشد أنواع الفراغ الوجودي. وإنك مع محفوظ لتعرف أدق تفاصيل الانسان المصري ومكونات حياته، وشقائه، وصراعاته و مكانة الحارة في نفسه. ومع كنفاني تخبر معاناة الفلسطيني في عالم هو أقرب للجحيم تحت وطأة الاحتلال.
وهذه العصارة الفكرية المستقاة من هذه الكتب هي ما نتمنى أن تأخذ منها كل نفس عربية نصيبها، فتعرف قيمة الكلمة و المجد الذي يستطيع الادب أن يمنحه للأمة. وتعزز لأديب مكانته المفقودة في دنيا التفاهة فلا يعود منسيا أو مغمورا لا يسمع له صوت، بينما يغتسل في اضواء الشهرة و التمجيد من لا يستحق. وختاما فإنني لا أجد أفضل من أقوال بعض أعلام الفكر الذين وإن عاشوا في أزمنة مختلفة ، إلا أنهم اتفقوا على شيء واحد، وهو أهمية القراءة عامة، وقراءة الادب خاصة في حياة الانسان.
فأديبنا العقاد يقول:
– القرائة وحدها هي التي تعطي الانسان الواحد أكثر من حياة واحدة، لأنها تزيد هذه الحياة عمقا، و إن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب.
اما توماس هكسلي فيقول :
-العلم و الأدب ليسا شيئان اثنان، بل هما وجهان لشيء واحد.
أما الفيلسوف شوبنهاور فيعتز بالقراءة قائلا:
– لم تمر بي أي محنة لم تخففها ساعة اقضيها في القراءة.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة