تلتئم قمة مجموعة الـ20 بهانغتشو الصينية غدا الأحد تحت شعار “نحو اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل”، وذلك في ظرفية عالمية حرجة.
ومن أبرز معالم هذه الظرفية، استمرار الانكماش الاقتصادي وضعف النمو، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأجواء الريبة المخيمة على مؤسسة الرئاسة بالولايات المتحدة، بسبب ترشح الجمهوري دونالد ترامب، أحد أعتى المدافعين عن الحمائية والمناهضين للعولمة، إضافة إلى تزايد التوترات الجيواستراتيجية بأكثر من منطقة حساسة.
وستكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ المجموعة التي تمنح فيها الأولوية للتنمية في إطار سياسة شاملة عالمية، والمرة الأولى التي تحدد فيها خطوات لتطبيق أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة.
وكان منسق مجموعة العشرين خه يا، نائب وزير الخارجية الصيني السابق، قد أعلن في تصريحات صحفية في وقت سابق أن “هناك ثلاثة عراقيل تواجه مجموعة العشرين في الوقت الراهن، تتمثل أولا في مشكلة التنسيق وثانيا في مشكلة القدرة على التطبيق والتنفيذ، وأخيرا في القدرة على القيادة، وذلك على خلفية سعي المجموعة إلى تحويل نمطها وإصلاح نظام الحكامة العالمية”.
وشدد على أن هذا الأمر “ليس من السهل تحقيقه لأنه يتطلب إصلاح النظام الدولي المرتبط بتوزيع المصالح الدولية، مما يعني الإضرار بالمنافع التي تحققت للعديد من الدول”.
ولفت خه إلى أن الأسباب الجذرية لأوجه الخلل التي ذكرها تتمثل في “وجود خلل خطير في الحكامة الاقتصادية العالمية، وهو ما يشكل تناقضا جذريا مع الترابط الاقتصادي المتزايد بين دول العالم في ظل العولمة”.
وثانيا، “عدم توازن القيادة في الحكامة العالمية، وهو ما يبرز في سيطرة الدول الغربية، من حيث إبداء الرأي وصنع القرار، وكذا تحديد المواضيع وصياغة القواعد”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة “ليست مستعدة للتنازل عن قيادة” العالم.
والسبب الثالث، هو تراكم الآثار السلبية للعولمة في ضوء اتساع الفجوة بين أغنياء وفقراء العالم، ما أسفر عن صعود تيار فكري مناهض لها بالعديد من الدول، وخاصة في بعض القوى الرئيسية.
ويتجسد ذلك التيار في انتخابات الرئاسة الأمريكية، التي فاز فيها دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، وهو مرشح تعكس تصريحاته الفكر المناهض للعولمة. ونفس الشئ ينطبق على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وسلسلة الأزمات التي تجتاح الاتحاد الأوروبي الآن.
وعلاوة على ذلك، يتجسد هذا التيار الفكري في تزايد النجاحات التي تحرزها الأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة بمختلف البلدان الغربية، وهو ما من شأنه “تغيير البيئة السياسية ومن بعدها النظام الاجتماعي، في نهاية المطاف”.
ويتطلع المراقبون إلى أن تتمكن الصين، ثاني اقتصاد في العالم، من الدفع قدما بمجموعة العشرين لقيادة الاقتصاد العالمي بعد تراجعه لفترة طويلة، وتطبيق إجراءات فعلية من شأنها تحويل المجموعة إلى منصة رئيسية للحكامة العالمية، وتعزيز قدرتها على اتخاذ القرار وتقديم المشورة، إضافة إلى الدفع بإصلاح الحكامة العالمية.
وترى الصين أنها وضعت أهدافا واضحة وضرورية للقمة، وتتوقع أن تحقق نتائج ملموسة طالما أبدى قادة المجموعة إرادة سياسية قوية لتحقيق تلك الأهداف، ومعالجة القضايا ذات الأولوية.
كما عززت الصين رؤية جديدة للحكامة الاقتصادية العالمية، في وقت تنافست فيه الهياكل الاقتصادية والسياسية للنظام الدولي، وذلك من خلال طرحها العديد من المبادرات الفعالة والواقعية، مثل إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وصندوق مبادرة طريق الحرير وحزامها التجاري، التي وصفها أحد الخبراء الغربيين بـ “المبادرة المجددة والنشطة والمترابطة والشاملة”.
وتمثل المبادرتان وغيرهما، طرح الصين “الملموس والواضح” لحل معضلة تقاسم المصالح العالمية وتحقيق التنمية المشتركة.
وفي هذا السياق، تعد قضية تعزيز الوعي بأهمية التنمية التي رفعتها الأمم المتحدة إلى مستوى عال، أهم قضية مطروحة أمام مجموعة العشرين. فإذا لم تتحقق تنمية شاملة للبلدان النامية، فلن يتحقق النمو الاقتصادي العالمي المستدام وستتحول معه الحكامة العالمية إلى مجرد شعارات بلا معنى.