بالإبداع والابتكار يمكن أن يخرج الماء من ثنايا الضباب ليروي أراض عطشى. ذلك الإبداع الذي رأى في السماء فرصة، وفي الضباب الكثيف قطرات ماء، وفي علو الجبال نعمة بيئية، وليد عبقرية مغربية حصلت على اعتراف وتتويج دولي بفضل نظام مبتكر يستشف الماء من الضباب المنتشر بين قمم جبال سيدي إفني بالصحراء المغربية.
فقد أعلنت الكتابة العامة للاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغييرات المناخية ببون (غرب ألمانيا) ، أن مشروع حصد الضباب من أجل تحويله إلى مياه صالحة للشرب لفائدة المواطنين بجماعة إثنين أملو بنواحي سيدي إفني، حاز على جائزة “التشجيع للأمم المتحدة لتغير المناخ”، وهو المشروع الذي وصفته الأمم المتحدة ب”أكبر نظام لحصاد مياه الضباب في العالم تم تشغيله بشكل عملي”.
وقد اعتبرت الأمينة العامة التنفيذية للاتفاقية الإطار للأمم المتحدة باتريشيا اسبينوزا هذا المشروع مثالا من “الأمثلة المتميزة للإبداع والتغيير والتحويل، والاتجاه نحو هذا النوع من المستقبل الذي نريده ونحتاج إليه”.
وأكد رئيس الجمعية المغربية “دار سي حماد” للتنمية والتربية والثقافة، عيسى الدرهم، أن هذا التتويج جاء نتاج عشر سنوات من العمل في هذا المشروع الهام لكونه يساهم في تنمية إقليم سيدي إفني ومنطقة أيت باعمران على وجه الخصوص لاسيما في المجال الفلاحي وتوفير الماء الصالح للشرب.
ودعا إلى إعطاء أهمية لماء الضباب وتعميم هذه التجربة على المستوى الوطني لتشمل باقي المناطق وخاصة المناطق الجنوبية البعيدة عن الشواطئ ، مبرزا أن الجمعية تعمل حاليا على مشروع استبدال الشباك التقليدية المستعملة في التقاط الرذاذ والرطوبة بشباك جديدة قادرة على تحمل سرعة رياح تصل الى 120 كلم في الساعة، فضلا عن إحداث خزانيين آخرين لتجميع المياه، وكذا توسيع عدد المستفيدين، خلال يناير المقبل، ليشمل دوارين اثنين بالمنطقة ليصل العدد إلى سبعة دواوير مستفيدة من هذا المشروع.
كما دعا الدرهم إلى تطوير الأبحاث في هذا المجال لاستغلال الضباب الرقيق المتواجد بكثرة بالقرب من الشواطئ من أجل توفير الماء الصالح للشرب.
ومشروع حصد الضباب، الذي تشرف عليه الجمعية المغربية “دار سي حماد” للتنمية والتربية والثقافة، عبارة عن تجربة مبتكرة قوامها تجميع المياه من رطوبة ورذاذ الضباب في جبال “بوتمزكيدا” بجماعة اثنين أملو بإقليم سيدي إفني (35 كلم عن سيدي إفني)، حيث يتم نصب شباك من مادة “بروليبروبيلان” المعروفة بحساسيتها “لاستشفاف” ما يحمله الضباب من رذاذ ورطوبة، على علو 1225 متر باتجاه الشمال الغربي.
ويتكون المشروع من 600 متر مربع من الشباك المنصوبة (بمعدل 20 وحدة من 30 مترا مربعا) وخزانين بسعة إجمالية تصل إلى 500 متر مكعب وبئر ومد ما يزيد على 9000 متر من السواقي ونظام للتصفية والتعقيم، بالإضافة إلى أربعة خزانات فرعية ومرصد للضباب، هو الأول من نوعه في العالم.
وتوفر هذه التقنية المعروفة ب “حصد الضباب” الماء الصالح للشرب وضمان المياه لتوريد الماشية في المنطقة التي تضم خمسة دواوير ومدرستين قرويتين ومدرسة عتيقة.
وساهم في نجاح المشروع اجتماع ثلاثة مقومات يتمثل أولها في توافر الضباب بالمنطقة المستهدفة، وثانيها في تواجد ضغط جوي مرتفع في محيط مائي ذي مياه باردة، فيما يتعلق المقوم الثالث بوجود حاجز طبيعي هو في الغالب مرتفع جبلي يتراوح علوه ما بين 500 و 600 متر فوق سطح البحر.
ويقتفي المشروع نموذج تقنية قديمة جدا أثبتت فعاليتها بأمريكا اللاتينية ولاسيما في الشيلي (منطقة كامانشاكا) يحاول استنساخها بمنطقة سيدي إفني شبه القاحلة والمعروفة بشح التساقطات.
وثمن فاعلون بيئيون محليون هذا التتويج الدولي للمشروع والذي سيشجع على مزيد من الانخراط في مثل هذه المبادرات ، مشيرين إلى أن هذا المشروع يعد خطوة رائدة في مجال توفير المياه بمنطقة إقليم سيدي افني التي تعاني من شح في التساقطات المطرية، وضمان المياه لتوريد الماشية.
وفي هذا الإطار، أكد رئيس فرع جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بكلميم الحسين الغنامي ، في تصريح مماثل، أن هذا المشروع هو من الحلول الذكية والأفكار الرائدة التي يتعين تشجيعها لكونها من المشاريع الصديقة للبيئة ولارتباطها باهتمامات ساكنة المنطقة لا سيما من حيث توفير المياه.
وسيتم تسليم الجائزة الأممية إلى الجمعية المغربية التي صممت ووضعت هذا المشروع، الذي يعتبر حلا مبتكرا يقلل من الإجهاد المائي مستوحى من الطرق القديمة لحصاد مياه الضباب وفق الأمانة العامة للاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغييرات المناخية، خلال سلسلة من الفعاليات التي ستميز مؤتمر (كوب 22) حول تغيرات المناخ الذي سينظم بمدينة مراكش ما بين 7 و18 نونبر المقبل.
وتمنح هذه الجائزة من قبل الأمانة العامة للأمم المتحدة حول تغيرات المناخ لتسليط الضوء على بعض النماذج الأكثر ابتكارا، والقابلة للتطوير وإعادة إنتاج ما يقوم بها الأشخاص لمكافحة التغيرات المناخية.
ويمثل المشروع المغربي الذي تم الشروع في إنجازه سنة 2006 ثمرة عمل متواصل استمر لعدة سنوات، ودليلا على الدور الفاعل للمجتمع المدني في تعزيز ريادة المغرب في مجال استثمار الطاقات المتجددة والمشاريع الصديقة للبيئة.