ارحموا الدين من تأويلاتكم يرحمكم الله

كلما أعلن علماء الغرب عن اكتشاف علمي أو اختراع سارع فقهاء الشرق إلى البحث عن تأويل له في القرآن، والأمر لا يقتصر على نشر تصريح أو مقال في الموضوع بل أحدثت معاهد مختصة في إثبات الإعجاز العلمي في القرآن، وفقهاء يقدمون محاضرات وندوات في أرجاء العالم الإسلامي وفي الغالب بأجور مرتفعة، فبدل الاستثمار في البحث العلمي وتشجيعه يتم صرف الملايين لنشر الجهل مستغلين عاطفة الناس وحبهم وتقديسهم لدينهم وجهلهم بالتفسير الصحيح للقرآن.
فبين من يعتبر أن للسماء أبوابا ووكالة “ناسا” تخفي الأمر حتى لا يسلم العالم- يعلم ماتخفي الناسا وماتعلن-، وأن الانفجار الكبير ذكر في القرآن … ومن يعتبر أن آية “إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ” هي إعجاز علمي لأن الغرب اكتشفوا حشرة تعيش فوق البعوضة، بالرغم من أن أسباب النزول واضحة وكتب التفاسير تشرحها كما جاء في تفسير ابن كثير مثلا، قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: لما ذكر الله تعالى العنكبوت والذباب قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنزل الله “إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ” وقال سعيد عن قتادة: ( أي أن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئا مما قل أو كثر)، والأمثلة كثيرة يكفي أن تكتب على محركات البحث الإعجاز العلمي في القران حتى تجد الآف المقالات ومئات المحاضرات في الموضوع.

الأمر لا يقتصر على هؤلاء الذين يكسبون ربما من وراء هذا، لكن أصبح الناس في حياتهم العادية لا يجدون حرجا في اجتزاء الآية من سياقها القرآني ومن أسباب نزولها وتفسيرها على هواهم وما يناسبهم، والأحاديث النبوية هي الأخرى لم تسلم من ذلك لدرجة نجد عددا كبيرا منها يخالف القران نفسه.

يجب أن نؤمن بأن القران كتاب دين وهدى، وليس كتاب طب وفيزياء وهندسة وغيرها من العلوم، وهذا لا يقلل من قيمته ولا من قدسيته، بل بالعكس فاعتباره كتاب دين يعني أنه يقين لا يقبل الشك، في حين لو أعتبر كتاب علم فكل كتب العلم تخضع للشك وتشمل حقائق ومغالطات وتسمح بطرح العديد من التساؤلات، وقد يثبت خطأها في أي وقت. فالإعجاز العلمي في القران وهم ظهر بسبب عقدة النقص عند المسلمين، فلم يتحدث عنه الفقهاء عندما كانت الحضارة الإسلامية في أوجها وكانت الدولة الإسلامية قوية، بل ظهر عندما ضعف المسلمون وأصبحوا في مؤخرة الترتيب علميًا وسياسيًا واقتصاديًا، كمحاولة إقناع لأنفسنا بأننا الأفضل والأقوى، ومحاولة استمالة الناس ودغدغة مشاعرهم، وهو ما يتنافى مع القرآن نفسه الذي كرر في أكثر من مرة أن الله فضل الإنسان بالعقل وأمره باستخدامه.
وإذا كان هذا الإعجاز صحيحًا فلماذا لا نكون نحن المسلمون سباقون للعلوم والاكتشافات؟ لماذا نستخدمه لتفسير ما وصل إليه علماء الغرب فقط؟
ماذا سيحدث عندما يتقدم العلم ويكذب شيئا من العلوم التي فسرها البعض بالقرآن؟ هل سنعتبر أن القرآن به خطأ؟ أم أن العلم هو الذي لا يجب أن يتقدم حتى يبقى دائمًا مناسبًا لتفسير القرآن؟ ام سنؤول الآيات والأحاديث مرة أخرى لتناسب العلم ويصبح لكل زمن تفسير؟

أرجوكم ارحموا الدين من تأويلاتكم، فهي تسيء له أكثر مما تخدمه، فالمؤمن على يقين بأن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وليس بحاجة ليعرف أن القرآن تحدث عن الموجات الثقالية وكروية الأرض وغيرها ليزداد إيمانًا.
المؤمن لن تتزعزع عقيدته إذا آمن وأيقن أن منهج الدين يخالف منهج العلم ولا يجوز إقحام هذا في ذاك.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة