يعرض حاليا بالقاعات السينمائية الفرنسية الفلم الأمريكي the fits للمخرجة أنا روز هولمر. العنوان الانجليزي ينفتح على عدة دلالات قد تبدأ بما يحيل إليه الفلم في الجزء الثاني من السيناريو من” ارتعاشات” الجسد لفتيات يمارسن الرياضة. كما يمكن أن يحيل إلى” تطابق” أو” أزمة” أو حتى “مقاومة” . المهم أن الفلم يحظى حاليا بإقبال جماهيري وبخطاب نقدي مرافق جد إجابي. الفلم عرض في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش في دجنبر الماضي ولم يلتفت إليه احد ( لانشغال الناس بسجالات فارغة) رغم انه أعطى للمهرجان إحدى أجمل اللقطات المقربة التي تتدفق شاعرية وعشق للبطلة المراهقة طوني. التي تكتشف هويتها تدريجيا في سياق علاقتها الإنسانية جدا مع أخيها وزميلاتها في قاعة لممارسة الرياضة. ما يهمنا اليوم – في انتظار أن نتوفر على توزيع سينمائي حقيقي ينفتح على السينمات الأخرى- هو نمط إنتاج الفلم. لقد استفادت المنتجة من دعم جد بسيط من إحدى المهرجانات الأوروبية وتم انجاز الفلم في ظرف سنة بميزانية لا تتجاوز المليون ونضف المليون درهم. نعم فلم أمريكي بميزانية فقيرة يسطع نجمه في سماء الفن السابع.
إن إحدى سمات مرحلة التحول التي تعيشها السينما المغربية تكمن في استنفاد منظومتها الإنتاجية لدينامكيتها التي أطلقها صندوق الدعم العمومي. إن أزمة الإبداع الفني التي أصبحت لازمة لبعض الخطابات تعود أولا لازمة نمط الإنتاج السائد والذي يستدعي طفرة جديدة بدأت ملامحها تظهر هنا وهناك تحت تأثير الثورة الرقمية ( أفلام يتم إنتاجها بالهاتف الذكي) وتأثير وصول جيل جديد من المخرجين لم يكتشفوا السينما في القاعات السينمائية بل عبر الوسائط الاتصال الرقمية الجديدة .
السينما الجديدة تستدعي بالضرورة اقتصادا سياسيا جديدا. لنتأمل لحظة الوضع التجاري العام للسينما المغربية لنصل إلى خلاصة أولية مذهلة: إن الدولة تضخ سنويا في القطاع حوالي 110 مليون درهم (مكسب نعتز به ويجب الحفاظ عليه وتطويره) مقابل رقم معاملات لا يصل إلى 50 أو 60 مليون درهم ثم إن الدعم العمومي للسينما ( 70 مليون درهم ) ينتج حوالي 20 فلم سينمائي لا يتجاوز عدد مشاهديها 400 ألف سنويا. إنه عجز صارخ لا يمكن أن يستمر.
إن القفزة التي ندعو إليها ثقافية جمالية واقتصادية. يجب تبني منطق أخر يتجلى في نمط إنتاج جديد يقطع مع الأسلوب السائد حاليا والذي يعتبر متجاوزا لأنه يعيد إنتاج بطريقة بدائية النمط الهوليودي (انظر فلم دالاس وانتقاده بسخرية لأجواء إنتاج فلم مغربي).
نمط جديد يتبنى التبسيط والعقلانية وعلاقات إنتاج ناجعة وفعالة (حول عدد التخصصات داخل طاقم التصوير حيث يمكن دمج بعضهما في بعض، حول مدة التصوير ، حول الآليات..)
سينما فقيرة أي أفلام بأقل تكلفة أو بتكلفة اقل ان صح التعبير، وهذا لا يعني فقيرة في خيالها وتفكيرها.
ولنا تجارب عالمية ومحلية في هذا الاتجاه. إن الطفرة النوعية التي عرفتها السينما الفرنسية في بداية الستينات جاءت نتيجة الثورة التي أنجزتها الموجة الجديدة في نمط الإنتاج حيث تم تحرير هذه السينما من ضغط وثقل المنتجين التقليديين. وبالتالي تم تحرير الخيال وانتقلت السينما إلى اكتشاف جغرافية جديدة في المكان والخيال.
وفي المغرب استطاعت بعض الأسماء أن توقع على أفلام جد متميزة بأسلوب إنتاجي خفيف وكتابة جديدة لعل أبرزها فلم هم الكلاب لهشام العسري. فبميزانية الدعم الحالية يمكن نتاج 60 فلم في السنة مع ما يرافق دلك من انعكاس ايجابي على اشتغال كتاب السيناريو و التقنيين و الممثلين….
وفي نقاش مع احد ابرز مخرجي هذه المرحلة الذي وقع على أفلام نالت جوائز وطنية وقارية دافع عن نفس الفكرة مقترحا أن ينحصر الدعم العمومي في معدل مليون درهم للفلم على أساس أن يتم بشكل جذري حل إشكاليات التوزيع و القاعات السينمائية. التوزيع الجماهيري هو مفتاح الانتقال إلى مرحلة جديدة في السينما المغربية. إن تجربة سينما نوليوود ( نسبة إلى نيجيريا ) تساءلنا بقوة وتدعونا إلى إعادة التفكير في أفلام تنتج بأموال ضخمة دون أن تجد صداها لدى محيطها الأول وهو مجتمعها. نيجيريا التي أصبحت ضمن اكبر ثلاث دول منتجة للأفلام (حوالي 1200 فيلم سنويا) بميزانيات متواضعة أنتجت سوقا داخلية وبدأت في التصدير إلى الدول المجاورة بل وصلت إلى إغراء القنوات التلفزية الأجنبية بما فيها القناة الثانية المغربية.