قلتم مدير مركز سينمائي؟

الأسطوانة مشروخة، و الحديث له بقية في كل مرة رغم أن كثيرين يرغبون في وضع نقطة نهاية له لأنه يحرج وهنهم. النفاق في هذا الميدان يستشري، و الصراحة تفتقد و غوغائية يريد كثير من الفقراء سينمائيا أن يجعلوها عملة. أنزع عباءة الجدية للحظة، و أشاهد مرة أخرى شريط “قانون السوق” للفرنسي “ستيفان بريزي” مساء السبت. هذا الشريط الذي أكد فيه النجم “فانسون لاندون” مجددا قدراته الخارقة في التشخيص، جعلني أوجه عيني التي كانت تتابع تألقا كرويا مغربيا في نفس الأمسية نحو إخفاق سينمائي آخر فصوله مهرجان متوسطي للفيلم القصير أريد له أن يمر باهتا و دون أن ينتبه له الخلق. تفاصيل فيلم “قانون السوق”، منحتني الفرصة لأتأفف و أتخيل..
مادام بلدي يمنحني الإمكانية لأتخيل، سأقتسم معكم بعضا مما جال في مخيخي في نفس الليلة التي اجتهدت فيها الأقدام المغربية في مركب محمد الخامس، و اختتمت فيها دورة أخرى لمهرجان متوسطي بدأ واعدا و صار قاصرا.
لو كنت مديرا للمركز السينمائي، لحاولت في أسبوعي الأول أن أنقذ المهرجان الوطني للفيلم في طنجة، و أن أمنح جرعة قوة للمهرجان المتوسطي للفيلم القصير الذي يحتضر أمامنا جميعا. لم يعد يغري العديد من السينمائيين المحليين و الإعلاميين المختصين على قلتهم، أما الأجانب فقد جعلناهم يغيرون الوجهة نحو مواعيد متوسطية كان مهرجان طنجة بالأمس القريب يسير بثبات نحو منافستها.
لو كنت مديرا للمركز السينمائي، كنت سأبكي حال الاستثمارات السينمائية الأجنبية عندنا و التي تراجعت بشكل مهول و أصفق في يوم تقديم الحصيلة على ما تم تحقيقه من نتائج سلبية. ما كنت لأسافر للأماكن و المهرجانات البعيدة التي لا تشارك فيها سينما بلدي، و لا يُشرك فيها المخرجون من أبناء جلدتي. كيف لي أصلا أن أحضر و أقطع المسافات الطويلة جدا، و أحرم نفسي من فرصة مشاهدة أفلام عالمية و مناقشة أصحابها و دعوتهم لزيارتنا و لقاء شباب مغربي يحلم سينما. لو كنت مديرا لقمت بالدفع بمشروع إنشاء مركبات سينمائية حتى أترك لمستي في المستقبل، و كنت سأدافع عن المهرجانات الجادة حتى و لو اختلفت مع مسيري بعضها، و كنت سأبدأ بإصلاح القطاع قبل إصلاح البنايات و الحفر. لو كنت مديرا، ما كنت لأتغيب عن مهرجان خريبگة للقاء السينمائيين الأفارقة الذين يأتون عندنا بعد أن يقنعوا في المواعيد الدولية. كنت سأقبر حقا كل الحسابات الضيقة التي تسيء لي و للسينمائيين المغاربة، و تجعلني صغيرا رغم أني منحت منصبا يفترض أن يقبر غروري. لو كنت مديرا، كنت سأقلل من عدد اللجان التي أرضي بها الخواطر، و أتنازل عن تلك التي تجعل من أقرباء مخرج ما أعضاء يختارون شريطه لتمثيلنا في الأوسكار الذي لا نرى فيه أبعد من أنوفنا. هل لدي الحق لأكمل؟ نعم لدي كل الحق، لأني فقط أتخيل و بالتالي دعوني أخبركم بأني لو كنت مديرا، لتساءلت في مكتبي صباحا و مساء عن سبب تأخر مخرجين مغاربة في الشروع في تصوير أفلامهم، و ما كنت لأقبل بوضع شريط رفضته لجنة الاختيار في افتتاح حدث سينمائي، لأغيض كل الآخرين و أبعث برسالة ضمنية للإعلاميين تخبرهم بأن ما يكتبونه لن يغير شيئا.
كثيرون يتخوفون من التجديد، و بالتالي ركن اليوم محض خيال و ليس تقديما لترشيح أو تشكيكا في قدرات أي كان. قلت ليس تشكيكا في قدرات كان؟ هنا علي أن أعترف بأني نافقتكم قليلا، و علي أن أعتذر و أغادر و أنا مرتاح في عباءتي الحالية، و أعرف بأن ال”سي.بي.إم” ماركة مسجلة بمحاسنها و نقائصها حتى و لو توقفت.. تحياتي لصارم الفاسي الفهري المدير الحالي للمركز السينمائي لبلدي، و الذي أتمنى بكل الصدق الممكن أن تتحقق أحلام سينمائييه. له برنامجه و طريقته، و بدون ارتياب فهو يتخيل أشياء أخرى غير تلك التي تخيلتها مساء السبت و شاركتها معكم اليوم. منحت الفرصة لنفسي لأتخيل، و هو قانون اللعبة الذي ذكرني به فيلم “قانون السوق”. أحتفظ بالابتسامة، و أدعو المدير الحالي لمشاهدته و قد يكون ذلك خير محفز لنا لنناقش بعضنا فيما بعد إن توفر الوقت و معه الرغبة. حاليا لدي قليل من وقت، لكن ما أراه حولي في الميدان يفقدني الرغبة. قلتها قبل قليل و أكررها الآن، علي أن أغادر لأن الاستثناء الذي يغلب القاعدة أحيانا، يقضي بأن من يقول الحق و يبرهن بالأدلة هو الذي يجب أن يغادر. ترون الآن ما تخيلته مساء السبت؟

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة