عن قضية بوعشرين وجوقة الحقوقيين

عندما يختار المرء الدفاع عن حقوق الانسان، والتصدي للانتهاكات التي قد تطال الافراد في حريتهم  وسلامتهم و طمأنينتهم، فان هذا الاختيار يجب يكون نابعا من القناعات الراسخة لديه باهمية وضرورة و مصيرية هذه الحقوق ،فالايمان بحقوق الانسان و الدفاع عنها يرتبط بشكل وثيق بمنظومة المبادئ والاخلاق التي يحملها المرء، بحيث لا يمكن لمن لا يحمل مبادئ و لا يتبنى قيما اخلاقية ان يدافع عن حقوق الانسان وينصب نفسه فاعلا و ناشطا في مجالها.
ارتباط حقوق الانسان بالمبادئ والاخلاق يجعل الحدود بينها شبه منعدمة، بحيث لا يمكن ان تستقيم الحقوق بلا مبادئ أو لا أخلاق و العكس صحيح ، فهما يسيران جنبا الى جنب، و اذا اختل احدهما، انعكس هذا خلل بشكل مباشر على الاخر ، فلا يمكن للص مثلا ان ينصب نفسه مدافعا عن حقوق الانسان، و لا يمكن لخائن الامانة، او القاتل او المجرم او الدكتاتور ان يفعل ذلك، فالدفاع عن حقوق الانسان يتطلب وجود افراد انقياء و اسوياء يؤمنون حقا بحقوق الانسان و بضرورتها و باهميتها، و لا يستعملونها كالية من اليات الضغط لتحقيق المآرب السياسية او الاقتصادية او النفعية ، فحقوق الانسان تقتضي النزاهة و التجرد و العمومية، فهي تشمل كل الناس، و ليست فئة دون اخرى او معسكر دون اخر .
للاسف ببلادنا ، ابتلينا ، بمجموعات منظمة تحتكر “الدفاع ” عن حقوق الانسان ، و تستولي على كل المجالات المرتبطة بها، حيث اصبحت هذه الحقوق و اليات الدفاع عنها رهينة بيد هذه “الجوقة ” من من يدعون النضال الحقوقي، فهم اليوم من يقرر هل هذا الملف او ذاك يستحق الدفاع عنه من زاوية حقوق الانسان او لا، و هم من يكيف القضايا، و هم من يوزع هذه الحقوق على من يستحقها و يمنعها عن من لا يستحقها حسب منظورهم.
استيلاء جوقة الحقوقيين على مجال حقوق الانسان في بلادنا، لم يكن فقط في اطار تكريس الصراع السياسي الذي يبدو ظاهريا انهم يعيشونه، بل في كثير من جوانبه، تكون المنافع المادية هي الاساس لانطلاقه و استمراره و ديمومته، و يكفي ان نرى الرفاهية التي تعيشها قيادات هذه الجوقة و عائلاتهم لنعرف ، لماذا يحتكر هؤلاء المجال الحقوقي في بلادنا.
اصرار هذه الجوقة الحقوقية على احتكار “الدفاع ” عن حقوق الانسان، جعل من  الياتها التنظيمية التي تشتغل في اطارها ، مؤسسات تجارية قائمة الذات، تحقق الارباح و تسوق المنتوجات و السلع، و تبرم الاتفاقيات، و تتلقى طلبات العروض، فمداخيل هذه الهيئات التي من المفروض انها تطوعية و جمعوية تفوق كل التوقعات ، و حجم الاموال التي تتقاطر عليها دوليا تحت مسمى المساعدات و التمويلات، يجعلنا نفهم جيدا المنطق الذي تشتغل به هذه الجوقة الحقوقية.
ارتباط هذه الجوقة بالاجندات الخارجية، لم يعد يثير اي حساسية لدى مكوناتها، بل بالعكس اصبحوا يتباهون بارتباطاتهم الخارجية و اللاوطنية ، ويجعلون منها عناصر قوة في مواجهتهم لكل من يقف امامهم، و اصبحوا كذلك لا يجدون حرجا في تجريد الناس من حقوقهم و نفي تمتعهم بها لمجرد انهم يخالفونهم التوجه و الراي، و يعملون على التأليب ضدهم و تشوييه سمعتهم رغم انهم ضحايا لانتهاكات لحقوق الانسان ، بل الاكثر من هذا ،  يدافعون عن من ينتهك هذه الحقوق و يذوذون عنه داخليا و خارجيا لمجرد انهم منهم.
ولعل ما تعرضت له ضحايا بوعشرين ، من تنكيل و انكار لحقوقهن و تشويه لسمعتهن ، من نفس الجوقة الحقوقية، لخير دليل على عقلية وخلفية هؤلاء، فهذه القضية و ما رافقها من حيثياث و وقائع، اسقطت ورقة التوت عن هذه الجوقة النفعية، و ابانت للجميع ان هؤلاء لا يهمهم لا حقوق الانسان و لا المبادئ و لا الاخلاق و لا اي شيء، فكل ما يهمهم هو تحقيق اجنداتهم و توجهاتهم المشبوهة، و تحقيق المنافع والمصالح المادية.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة