الداكي: المحاكمة عن بعد تجربة ناجحة

اعتبر الحسن الداكي الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، الثلاثاء 27 أبريل 2021، أن اعتماد المحاكمة عن بعد في تدبير القضايا بجلسات المحاكم، تجربة ناجحة.

وقال الحسن الداكي، خلال انعقاد أشغال هذا اليوم الدراسي الهام، بمناسبة الندوة الوطنية حول موضوع : “التقاضي عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة” بالمعهد العالي للقضاء: “فكما تعلمون فقد كان لوباء كورونا المستجد تأثير كبير على الساحة الوطنية والدولية، حيث أرخى بظلاله على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، إذ كان السبب المباشر في تعطيل مجموعة من المعاملات الاقتصادية الدولية والوطنية والخدمات الإدارية والقضائية، وذلك نتيجة للتدابير الاحترازية التي تم اتخاذها للحد من تفشي هذا الوباء، هذا الوضع حتم البحث عن حلول واتخاذ مجموعة من التدابير للتوفيق بين حماية حقوق الأشخاص وحماية الصحة العامة التي تعتبر من مقومات النظام العام”.

وأضاف الداكي: “في هذا الإطار ومن أجل ضمان استمرار سير العمل بالمحاكم بشكل عاد والقيام بمهامها الدستورية، وتكريسا للحق في محاكمة عادلة داخل آجال معقولة، والذي يعتبر ﺷﺮﻃﺎً أﺳﺎﺳﻴﺎً ﻣﻦ ﺷﺮوط اﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ اﻟﻌﺎدﻟﺔ، ﺷﺮعت بلادنا بتاريخ 27 أبريل 2020، ﻓﻲ إجراء ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻤﺤﺎﻛﻤات ﻋﻦ ﺑﻌﺪ، وذلك ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺘﺪاﺑﻴﺮ اﻻﺣﺘﺮازﻳﺔ المتخذة لمواجهة تداعيات وباء كوفيد 19 المستجد”.

وتابع المتحدث: “الجدير بالذكر، أن العالم يشهد منذ سنوات ثورة تكنولوجية شملت كافة الميادين والمجالات ومنها القضاء، حيث عملت مجموعة من الدول ومنها بلادنا على مواكبة هذه التطورات والمستجدات من خلال استغلال الوسائل والتكنولوجيات الحديثة لتطوير قطاع العدالة، وفي هذا الإطار تم تدارك إمكانية اعتماد هذه التكنولوجيا على مستوى قضايا المعتقلين بعدما ظهرت بعض الإصابات بالفيروس على بعض نزلاء المؤسسات السجنية، وتم الاهتداء إلى جعل هذه المؤسسات فضاء مغلقا لا يسمح للنزلاء بمغادرته حماية لسلامتهم، ودرءا لتفشي الوباء في صفوفهم، فكانت نتائج تدارس الوضعية أن اهتدى المسؤولون عن العدالة وهم الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ووزير العدل ورئاسة النيابة العامة، والسيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ورئيس هيئات المحامين بالمغرب إلى اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد، وفقا لما هو معمول به في العديد من تشريعات الدول قبل ظهور وباء كورونا المستجد، هذا فضلا عن كون اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد لها مرجعياتها في العديد من المواثيق الدولية التي تعنى بالتصدي للجريمة ومنها: اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 في مادتها 18، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003”.

وواصل الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة: “إن تفعيل التقاضي عن بعد في هذه المرحلة الاستثنائية والتي فرضت تحديات قانونية وحقوقية، يعد مسألة ضرورية وسابقة في مسار منظومة العدالة في بلادنا، حيث تم ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻗﺎﻋﺎت داﺧﻞ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت السجنية ورﺑﻄﻬﺎ مباشرة ﺑﻘﺎﻋﺎت اﻟﺠﻠﺴﺎت، مما مكن ويمكن اﻟﻬﻴﺌات اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ من ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ اﻟﻤﻌﺘﻘلين الموجودين داﺧﻞ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺴﺠﻨﻴﺔ ﺑﻌﺪ موافقتهم وبحضور دفاعهم من الفصل في قضاياهم في آجال معقولة وبضمانات توفير شروط المحاكمة العادلة المعتمدة في هذا الصدد”.

وأردف: “إن اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد لتجاوز الظروف التي فرضها تفشي فيروس كورونا المستجد، يندرج ضمن استراتيجية بلادنا الهادفة إلى تطوير منظومة العمل القضائي والنهوض بحقوق الإنسان وتعزيز شروط المحاكمة العادلة، حيث كان الهدف من استخدام هذه التقنية ضمان استمرار سير مرفق العدالة بحكم أن القضاء يعد الملجأ الأول لضمان حماية الحقوق والحريات الأساسية والذي يعتبر الفصل في القضايا لاسيما المرتبطة متعا بالحريات كتلك التي تتعلق بالأشخاص المتابعين في حالة اعتقال داخل آجال معقولة من أهم الآليات التي تكرس الحق في محاكمة عادلة، حتى وإذا كان القانون المغربي لم يتطرق صراحة إلى إمكانية اعتماد المحاكمة عن بعد بالنسبة للمتهم، فإن المادة 347-1 من قانون المسطرة الجنائية تنص على إمكانية لجوء المحكمة إلى استعمال تقنيات الاتصال عن بعد للاستماع إلى الشهود”.

وزاد المتحدث: “كما أن مشروع قانون المسطرة الجنائية وانسجاما مع مخرجات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، جاء بمجموعة من المقتضيات القانونية المستجدة التي تعالـج موضوع المحاكمة عن بعد، والتي نأمل أن تجد طريقها إلى المصادقة عليها من قبل السلطة التشريعية في أقرب الآجال في أفق اعتماد الآليات المنظمة لتطوير عدالتنا. والأكيد أن موضوع المحاكمة عن بعد ما فتئ يثير نقاشاً بين من يتمسك بضرورة الحضور المادي شخصيا للمتهم أمام هيئة الحكم في قاعة المحكمة وبين من يتبنى مفهوم الحضور الافتراضي للمتهم، وهذا الرأي الأخير هو ما تم تبنيه من طرف أغلب القضاء المقارن، الذي يؤكد على أنه لا وجود لأي تعارض بين المحاكمة عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة وأن ما يتم التركيز عليه في هذه الرقابة القضائية هو جودة الوسائل التقنية المستعملة في المحاكمة والتي تمكن كافة أطراف الدعوى من التواصل وممارسة الإجراءات والتمتع بالضمانات في أحسن الظروف”.

وأضاف: “إذا كان النقاش حول شرعية المحاكمة عن بعد مبرر في الظروف العادية من أجل تحسين تصريف العدالة أو تسريع الإجراءات وتخفيف الاكتظاظ، فإنه في الظروف الاستثنائية حيث تكون الغاية منها التوفيق بين حماية حقوق الأشخاص ولحماية الصحة العامة، وذلك لكون حق المواطنين في الفصل في النزاعات داخل أجل معقولة يهدف الحصول على حقوقهم المضمونة دستوريا وقانونيا، يعتبر أهم عنصر في دعم ثقة المتقاضين بالقضاء، وحقاً من حقوق الإنسان خاصة إذا تعلق الأمر بالقضايا ذات الطبيعة الزجرية، وعلى هذا الأساس تعد المحاكمة عن بعد الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذه الغاية خاصة في ظل الظروف الاستثنائية الحالية التي تشهدها بلادنا والعالم”.

واستطرد الداكي: “إن اعتماد المحاكمة عن بعد باستعمال وسائل الاتصال السمعية والبصرية يدخل في إطار الرؤية المستقبلية للعدالة الرقمية التي تصبو إليها بلادنا، والتي تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل بالخصوص في ترشيد الزمن القضائي ، وادخار الجهد، بما يضمن البت في القضايا داخل آجال معقولة، وكذا المساهمة في الحفاظ على المال العام وحسن تدبيره لما تحققه التقنية المذكورة من اقتصاد في نفقات الدولة عن طريق تفادي المصاريف والتكاليف الثقيلة التي يقتضيها نقل المعتقلين، وتوفير شروط حراستهم وحمايتهم، هذا فضلا عما تشكله التقنية من تحديث لمرفق القضاء وجعله يواكب التطور التكنولوجي ويمكن من مواجهة الظروف الاستثنائية التي يمكن أن تجعل من الاستماع للأطراف ونقل المعتقلين أمرا صعبا أو محفوفا بالمخاطر كما هو الحال بالنسبة للظرفية الراهنة المرتبطة بوباء كورنا المستجد”.

وخلص الداكي في كلمته: “لقد مكنت تجربة التقاضي عن بعد من تدبير مرفق القضاء بحكامة جيدة ونجاعة، من خلال تفادي انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد والحفاظ على الصحة والسلامة لكل المرتفقين وذلك انسجاما مع التدابير والإجراءات الأخرى المتخذة من طرف السلطات المعنية للحد من انتشار هذا الوباء، كما مكنت في نفس الوقت من صون ضمانات المحاكمة العادلة داخل أجال معقولة، حيث تم منذ بداية العمل بها في 27 أبريل 2020 إلى غاية 16 أبريل 2021 من عقد 19139 جلسة عن بعد، أدرجت فيها 370067 قضية، استفاد منها 433323 معتقلا، وأفضت إلى الإفراج عن 11748 منهم، ولولا اعتماد هذه التقنية لما تمت محاكمتهم ولظلوا قيد الاعتقال”.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة